عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمِيلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ﴾، وَإِنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْعُلَمَاءَ، فَمَنْ قَامَ بِحَقِّ الْخِدْمَةِ، وَإِعْزَازِ الْمَلِكِ فَهُوَ هَيْبَةٌ لِلْعَدُوِّ، وَمَنْ قَعَدَ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ الَّتِي عَنْكُمْ أُخِذَتْ فَهُوَ زَيْنٌ لَكُمْ، قَالَ : صَدَقْت يَا مُحَمَّدُ ثُمَّ شَاوَرَنِي فَقَالَ : إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَالَحَ بَنِي تَغْلِبَ عَلَى أَنْ لَا يَنْصُرُوا أَوْلَادَهُمْ، وَقَدْ نَصَرُوا أَبْنَاءَهُمْ، وَحَلَّتْ بِذَلِكَ دِمَاؤُهُمْ، فَمَا تَرَى ؟ قَالَ : قُلْت : إنَّ عُمَرَ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ، وَقَدْ نَصَرُوا أَوْلَادَهُمْ بَعْدَ عُمَرَ، وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ عُثْمَانُ وَابْنُ عَمِّك.
وَكَانَ مِنْ الْعِلْمِ بِمَا لَا خَفَاءَ بِهِ عَلَيْك، وَجَرَتْ بِذَلِكَ السُّنَنُ، فَهَذَا صُلْحٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ، وَلَا شَيْءَ يَلْحَقُك فِي ذَلِكَ، وَقَدْ كَشَفْت لَك الْعِلْمَ، وَرَأْيُك أَعْلَى، قَالَ : لَا، وَلَكِنَّا نُجْرِيهِ عَلَى مَا أَجْرَوْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، إنَّ اللَّه جَلَّ اسْمُهُ أَمَرَ نَبِيَّهُ بِالْمَشُورَةِ تَمَامًا لِمَا بِهِ مِنْ الْأَخْلَاقِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُ، فَكَانَ يُشَاوِرُ فِي أَمْرِهِ فَيَأْتِيهِ جِبْرِيلُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ، وَلَكِنْ عَلَيْك بِالدُّعَاءِ لِمَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَك، وَمُرْ أَصْحَابَك بِذَلِكَ، وَقَدْ أَمَرْت لَك بِشَيْءٍ تُفَرِّقُهُ عَلَى أَصْحَابِك.
قَالَ : فَخَرَجَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَفَرَّقَهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي إقْرَارِ الْخُلَفَاءِ بَنِي تَغْلِبَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ صَبْغِهِمْ أَوْلَادِهِمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِهِمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ النَّصَارَى، فَلَا تَخْلُو مُصَالَحَةُ عُمَرَ إيَّاهُمْ أَنْ لَا يَصْبِغُوا أَوْلَادَهُمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنْ لَا يُكْرِهُوهُمْ عَلَى الْكُفْرِ إذَا أَرَادُوا الْإِسْلَامَ، أَوْ أَنْ لَا يُنْشِئُوهُمْ عَلَى الْكُفْرِ مِنْ صِغَرِهِمْ، فَإِنْ أَرَادَ