الْحُكْمِ بِأَخْذِهِ الرِّشْوَةَ، كَمَنْ أَخَذَ الْأُجْرَةَ عَلَى أَدَاءِ الْفُرُوضِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ.
وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ الرُّشَا عَلَى الْأَحْكَامِ وَأَنَّهَا مِنْ السُّحْتِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ.
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مَفْعُولًا عَلَى وَجْهِ الْفَرْضِ وَالْقُرْبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ، كَالْحَجِّ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْإِسْلَامِ ؛ وَلَوْ كَانَ أَخْذُ الْأَبْدَالِ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ جَائِزًا لَجَازَ أَخْذُ الرُّشَا عَلَى إمْضَاءِ الْأَحْكَامِ، فَلَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ أَخْذَ الرُّشَا عَلَى الْأَحْكَامِ وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ أَخْذِ الْأَبْدَالِ عَلَى الْفُرُوضِ وَالْقُرَبِ.
وَإِنْ أَعْطَاهُ الرِّشْوَةَ عَلَى أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِبَاطِلٍ فَقَدْ فَسَقَ الْحَاكِمُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَخْذُ الرِّشْوَةِ، وَالْآخَرُ : الْحُكْمُ بِغَيْرِ حَقٍّ ؛ وَكَذَلِكَ الرَّاشِي.
وَقَدْ تَأَوَّلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمَسْرُوقٌ السُّحْتَ عَلَى الْهَدِيَّةِ فِي الشَّفَاعَةِ إلَى السُّلْطَانِ، وَقَالَ :" إنْ أَخْذَ الرُّشَا عَلَى الْأَحْكَامِ كُفْرٌ ".
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَمَنْ قَدَّمْنَا قَوْلَهُ :" الرُّشَا مِنْ السُّحْتِ ".
وَأَمَّا الرِّشْوَةُ فِي غَيْرِ الْحُكْمِ، فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمَسْرُوقٌ فِي الْهَدِيَّةِ إلَى الرِّجْلِ لِيُعِينَهُ بِجَاهِهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَيْضًا لِأَنَّ عَلَيْهِ مَعُونَتَهُ فِي دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا يَزَالُ اللَّهُ فِي عَوْنِ الْمَرْءِ مَا دَامَ الْمَرْءُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ﴾.
وَوَجْهٌ آخَرُ مِنْ الرِّشْوَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَرْشُو السُّلْطَانَ لِدَفْعِ ظُلْمِهِ عَنْهُ، فَهَذِهِ الرِّشْوَةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَى آخِذِهَا غَيْرُ مَحْظُورَةٍ عَلَى مُعْطِيهَا.
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالشَّعْبِيِّ


الصفحة التالية
Icon