بَابُ مَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ إلَى قَوْلِهِ :﴿ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ فَكَانَ مَعْقُولًا مِنْ فَحَوَى الْآيَةِ، وَمَضْمُونِهَا أَنَّ الْجِزْيَةَ مَأْخُوذَةٌ مِمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ لِاسْتِحَالَةِ الْخِطَابِ بِالْأَمْرِ بِقِتَالِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، إذْ الْقِتَالُ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَاتِلًا لِصَاحِبِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّ الْجِزْيَةَ مَأْخُوذَةٌ مِمَّنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، وَمَنْ يُمْكِنْهُ أَدَاؤُهُ مِنْ الْمُحْتَرِفِينَ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا : إنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ، فَقَالُوا : مَنْ كَانَ أَعْمَى أَوْ زَمِنًا أَوْ مَفْلُوجًا أَوْ شَيْخًا كَبِيرًا فَانِيًا، وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ ؛ وَهُوَ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَعْمَى وَالزَّمِنِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ أَنَّ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ إذَا كَانُوا مُوسِرِينَ، وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ قَالَ : قُلْت : أَرَأَيْت أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ، وَغَيْرِهِمْ لَيْسَ لَهُمْ حِرْفَةٌ، وَلَا مَالٌ، وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ ؟ قَالَ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، قَالَ مُحَمَّدٌ : وَإِنَّمَا يُوضَعُ الْخَرَاجُ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْمُعْتَمِلِ مِنْهُمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي النَّصْرَانِيِّ يَكْتَسِبُ، وَلَا يَفْضُلُ لَهُ شَيْءٌ عَنْ عِيَالِهِ :﴿ إنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِخَرَاجِ رَأْسِهِ ﴾.
وَقَالُوا فِي أَصْحَابِ الصَّوَامِعِ، وَالسَّيَّاحِينَ إذَا كَانُوا لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ : فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا يُخَالِطُونَ النَّاسَ فَعَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ، وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ إذْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ.
وَرَوَى


الصفحة التالية
Icon