الثَّانِيَةُ مَنْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ لِمَا رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ عَنْ أَبِي الضَّيْفِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ مَنْ تَرَكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ جُعِلَتْ صَفَائِحُ يُعَذَّبُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
﴾ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْقُمِّيُّ هُوَ اجْتِهَادٌ يَسُوغُ الْقَوْلُ بِهِ لِمَنْ غَلَبَ فِي ظَنِّهِ صَوَابُهُ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ عَنْ يَدٍ ﴾ قَالَ قَتَادَةُ :﴿ عَنْ قَهْرٍ ﴾ كَأَنَّهُ ذَهَبَ فِي الْيَدِ إلَى الْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ وَالِاسْتِعْلَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : عَلَى اسْتِعْلَاءٍ مِنْكُمْ عَلَيْهِمْ، وَقَهْرِهِمْ.
وَقِيلَ :﴿ عَنْ يَدٍ ﴾ يَعْنِي عَنْ يَدِ الْكَافِرِ.
وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَدَ لِيُفَارِقَ حَالَ الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّهُ يُعْطِيهَا بِيَدِهِ رَاضِيًا بِهَا حَاقِنًا بِهَا دَمَهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : حَتَّى يُعْطِيَهَا، وَهُوَ رَاضٍ بِهَا.
وَيَحْتَمِلُ :﴿ عَنْ يَدٍ ﴾ عَنْ نِعْمَةٍ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ : حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ اعْتِرَافٍ مِنْهُمْ بِالنِّعْمَةِ فِيهَا عَلَيْهِمْ بِقَبُولِهَا مِنْهُمْ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ :﴿ عَنْ يَدٍ ﴾ يَعْنِي عَنْ نَقْدٍ مِنْ قَوْلِهِمْ : يَدًا بِيَدٍ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى : كُلُّ مَنْ أَطَاعَ الْقَاهِرَ بِشَيْءٍ أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، وَقَهْرٍ لَهُ مِنْ يَدٍ فِي يَدِهِ فَقَدْ أَعْطَاهُ عَنْ يَدٍ.
قَالَ : وَالصَّاغِرُ الذَّلِيلُ الْحَقِيرُ.
وَقَوْلُهُ ﴿ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَمْشُونَ بِهَا مُلَبِّبِينَ، وَقَالَ سَلْمَانُ : مَذْمُومِينَ غَيْرَ مَحْمُودِينَ وَقِيلَ : إنَّمَا كَانَ صَغَارًا لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِمْ يُؤْخَذُونَ بِهَا، وَلَا يُثَابُونَ عَلَيْهَا، وَقَالَ عِكْرِمَةُ : الصَّغَارُ إعْطَاءُ الْجِزْيَةِ قَائِمًا وَالْأَخْذُ جَالِسًا.
وَقِيلَ :﴿ الصَّغَارُ الذُّلُّ ﴾.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الذِّلَّةُ الَّتِي ضَرَبَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ :{