مِثْلَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَذَكَرَ هَؤُلَاءِ أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ نَاسِخٌ لِلتَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ :﴿ فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُقَالُ مِنْ طَرِيقِ الرَّأْيِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِتَوَارِيخِ نُزُولِ الْآيِ لَا يُدْرَكُ مِنْ طَرِيقِ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ، وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ التَّوْقِيفُ وَلَمْ يَقُلْ مَنْ أَثْبَتَ التَّخْيِيرَ إنَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ نَزَلَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ :﴿ وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ وَإِنَّ التَّخْيِيرَ نَسَخَهُ.
وَإِنَّمَا حُكِيَ عَنْهُمْ مَذَاهِبُهُمْ فِي التَّخْيِيرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ النَّسْخِ، فَثَبَتَ نَسْخُ التَّخْيِيرِ بِقَوْلِهِ :﴿ وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ كَرِوَايَةِ مَنْ ذَكَرَ نَسْخَ التَّخْيِيرِ.
وَيَدُلُّ عَلَى نَسْخِ التَّخْيِيرِ قَوْلُهُ :﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ﴾ الْآيَاتِ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُمْ فَلَمْ يَحْكُمْ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ الَّتِي اخْتَصَمُوا فِيهَا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ.
وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ إنَّ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ :﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ مَنْسُوخًا إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ مُجَاهِدٍ رَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ نَسَخَهَا مَا قَبْلَهَا :﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ :﴿ وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ قَبْلَ أَنْ تُعْقَدَ لَهُمْ الذِّمَّةُ يَدْخَلُوا تَحْتَ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ بِالْجِزْيَةِ فَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ وَجَرَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ أَمَرَ بِالْحُكْمِ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ