وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الذِّمِّيِّ إذَا أَسْلَمَ، وَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ هَلْ يُؤْخَذُ بِهَا ؟ فَقَالَ أَصْحَابُنَا :﴿ لَا يُؤْخَذُ ﴾، وَهُوَ قَوْلُ مَالِك وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَالشَّافِعِيُّ :﴿ إذَا أَسْلَمَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ أُخِذَ مِنْهُ بِحِسَابِ ذَلِكَ ﴾.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ يُسْقِطُ مَا وَجَبَ مِنْ الْجِزْيَةِ قَوْله تَعَالَى :﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ ﴾ إلَى قَوْلِهِ :﴿ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ فَانْتَظَمَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الدَّلَالَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا أَحَدُهُمَا : الْأَمْرُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِمَّنْ يَجِبُ قِتَالُهُ لِإِقَامَتِهِ عَلَى الْكُفْرِ إنْ لَمْ يُؤَدِّهَا، وَمَتَى أَسْلَمَ لَمْ يَجِبْ قِتَالُهُ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : قَوْله تَعَالَى :﴿ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ فَأَمَرَ بِأَخْذِهَا مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ وَالذِّلَّةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ بَعْدَ الْإِسْلَامِ إذْ غَيْرُ مُمْكِنٍ أَخْذُهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَمَتَى أَخَذْنَاهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ لَمْ تَكُنْ جِزْيَةٌ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ هِيَ مَا أُخِذَ عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ.
وَقَدْ رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَةٌ، ﴾ فَنَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْذَهَا مِنْ الْمُسْلِمِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي حَالِ الْكُفْرِ، وَبَيْنَ مَا لَمْ يَجِبْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَوَجَبَ بِظَاهِرِ ذَلِكَ إسْقَاطُ الْجِزْيَةِ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ.
وَيَدُلُّ عَلَى سُقُوطِهَا أَنَّ الْجِزْيَةَ، وَالْجَزَاءَ وَاحِدٌ، وَمَعْنَاهُ جَزَاءُ الْإِقَامَةِ عَلَى الْكُفْرِ مِمَّنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، فَمَتَى أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ الْمُجَازَاةُ عَلَى الْكُفْرِ، إذْ غَيْرُ جَائِزٍ عِقَابُ التَّائِبِ فِي حَالِ الْمُهْلَةِ، وَبَقَاءِ التَّكْلِيفِ ؛ وَلِهَذَا