لِلْفَقِيرِ، وَإِنَّمَا كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يُعْطَى إنْسَانٌ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الْمِائَتَيْنِ هِيَ النِّصَابُ الْكَامِلُ فَيَكُونُ غَنِيًّا مَعَ تَمَامِ مِلْكِ الصَّدَقَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِدَفْعِ الزَّكَوَاتِ إلَى الْفُقَرَاءِ لِيَنْتَفِعُوا بِهَا، وَيَتَمَلَّكُوهَا، فَلَا يَحْصُلُ لَهُ التَّمْكِينُ مِنْ الِانْتِفَاعِ إلَّا، وَهُوَ غَنِيٌّ ؛ فَكَرِهَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ دَفْعَ نِصَابٍ كَامِلٍ، وَمَتَى دَفَعَ إلَيْهِ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ، وَيَحْصُلُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا، وَهُوَ فَقِيرٌ فَلَمْ يَكْرَهْهُ، إذْ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْوَجْهِ إذَا لَمْ يَصِرْ غَنِيًّا، فَالنِّصَابُ عِنْدَ وُقُوعِ التَّمْلِيكِ وَالتَّمْكِينِ مِنْ الِانْتِفَاعِ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ :﴿ وَأَنْ يُغْنِيَ بِهَا إنْسَانًا أَحَبُّ إلَيَّ ﴾ فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْغِنَى الَّذِي تَجِبُ عَلَيْهِ بِهِ الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ وَيَكُفُّ بِهِ وَجْهَهُ وَيَتَصَرَّفُ بِهِ فِي ضَرْبٍ مِنْ الْمَعَاشِ.