إعْطَاءِ الصَّدَقَةِ هَذَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَذَلِكَ يَنْفِي وُجُوبَ قِسْمَتِهَا عَلَى ثَمَانِيَةٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ﴾ عُمُومٌ فِي سَائِرِ الصَّدَقَاتِ، وَمَا يَحْصُلُ مِنْهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ، وقَوْله تَعَالَى :﴿ لِلْفُقَرَاءِ ﴾ إلَى آخِرِهِ عُمُومٌ أَيْضًا فِي سَائِرِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ الْمَوْجُودِينَ وَمَنْ يَحْدُثُ مِنْهُمْ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ قِسْمَةَ كُلِّ مَا يَحْصُلُ مِنْ الصَّدَقَةِ فِي الْمَوْجُودِينَ، وَمَنْ يَحْدُثُ مِنْهُمْ لِاسْتِحَالَةِ إمْكَانِ ذَلِكَ إلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَجْزِيَ إعْطَاءُ صَدَقَةِ عَامٍ وَاحِدٍ لِصِنْفٍ وَاحِدٍ، وَإِعْطَاءُ صَدَقَةِ عَامٍ ثَانٍ لِصِنْفٍ آخَرَ ثُمَّ كَذَلِكَ صَدَقَةُ كُلِّ عَامٍ لِصِنْفٍ مِنْ الْأَصْنَافِ عَلَى مَا يَرَى الْإِمَامُ قِسْمَتَهُ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ صَدَقَةَ عَامٍ وَاحِدٍ أَوْ رَجُلٍ وَاحِدٍ غَيْرُ مَقْسُومَةٍ عَلَى ثَمَانِيَةٍ.
وَأَيْضًا لَا خِلَافَ أَنَّ الْفُقَرَاءَ لَا يَسْتَحِقُّونَهَا بِالشَّرِكَةِ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُحْرَمَ الْبَعْضُ مِنْهُمْ، وَيُعْطَى الْبَعْضُ فَثَبَتَ أَنَّ الْمَقْصِدَ صَرْفُهَا فِي بَعْضِ الْمَذْكُورِينَ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ إعْطَاؤُهَا بَعْضَ الْأَصْنَافِ كَمَا جَازَ إعْطَاؤُهَا بَعْضَ الْفُقَرَاءِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ حَقًّا لَهُمْ جَمِيعًا لَمَا جَازَ حِرْمَانُ الْبَعْضِ وَإِعْطَاءُ الْبَعْضِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ حِينَ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ، وَلَمْ يَجِدْ مَا يُطْعَمُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْطَلِقَ إلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ لِيَدْفَعَ إلَيْهِ صَدَقَاتِهِمْ ؛ فَأَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفْعَ صَدَقَاتِهِمْ إلَى سَلَمَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ.
وَفِي حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ فِي الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ سَأَلَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ فَقَالَ :﴿ إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا ﴾، وَلَمْ