فِي مَصَالِحِهِمْ.
فَأَمَّا ذِكْرُ الْأَصْنَافِ فَإِنَّمَا جَاءَ بِهِ لِبَيَانِ أَسْبَابِ الْفَقْرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْغَارِمَ وَابْنَ السَّبِيلِ، وَالْغَازِي لَا يَسْتَحِقُّونَهَا إلَّا بِالْحَاجَةِ وَالْفَقْرِ دُونَ غَيْرِهِمَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّونَهَا هُوَ الْفَقْرُ.
فَإِنْ قِيلَ : رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ الْعَمِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ يَقُولُ :﴿ أَمَّرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ، فَقُلْت : أَعْطِنِي مِنْ صَدَقَاتِهِمْ فَفَعَلَ، وَكَتَبَ لِي بِذَلِكَ كِتَابًا، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : أَعْطِنِي مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ، وَلَا غَيْرِهِ حَتَّى حَكَمَ فِيهَا مِنْ السَّمَاءِ فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ فَإِنْ كُنْت مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُك مِنْهَا ﴾ قِيلَ لَهُ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا لِأَنَّهُ قَالَ :" إنْ كُنْت مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُك " فَبَانَ أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِلصُّدَائِيِّ بِشَيْءٍ مِنْ صَدَقَةِ قَوْمِهِ، وَلَمْ يَسْأَلْ مِنْ أَيِّ الْأَصْنَافِ هُوَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ :" إنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ " مَعْنَاهُ لِيُوضَعَ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا جَمِيعًا إنْ رَأَى ذَلِكَ الْإِمَامُ، وَلَا يُخْرِجُهَا عَنْ جَمِيعِهِمْ.
وَأَيْضًا فَلَيْسَ تَخْلُو الصَّدَقَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَقَّةً بِالِاسْمِ أَوْ بِالْحَاجَةِ أَوْ بِهِمَا جَمِيعًا، وَفَاسِدٌ أَنْ يُقَالَ هِيَ مُسْتَحَقَّةٌ بِمُجَرَّدِ الِاسْمِ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدِهِمَا : أَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يَسْتَحِقَّهَا كُلُّ غَارِمٍ، وَكُلُّ ابْنِ سَبِيلٍ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، وَهَذَا بَاطِلٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَوْ اجْتَمَعَ لَهُ الْفَقْرُ،