زَكَاةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ الْآيَةَ ؛ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ إيجَابُ إنْفَاقِ جَمِيعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْوَعِيدَ لَاحِقٌ بِتَرْكِ إنْفَاقِ الْجَمِيعِ لِقَوْلِهِ :﴿ وَلَا يُنْفِقُونَهَا ﴾ وَلَمْ يَقُلْ وَلَا يُنْفِقُونَ مِنْهَا.
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْجَمِيعَ لَقَالَ : وَلَا يُنْفِقُونَهُمَا قِيلَ لَهُ : لِأَنَّ الْكَلَامَ رَجَعَ إلَى مَدْلُولٍ عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ قَالَ : وَلَا يُنْفِقُونَ الْكُنُوزَ، وَالْآخَرَانِ يُكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ لِلْإِيجَازِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْهَا ﴾ قَالَ الشَّاعِرُ : نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا عِنْدَك رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ وَالْمَعْنَى : رَاضُونَ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَيْهِمَا جَمِيعًا أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَبَقِيَ أَحَدُهُمَا عَارِيًّا مِنْ خَبَرِهِ فَيَكُونُ كَلَامَا مُنْقَطِعًا لَا مَعْنَى لَهُ ؛ إذْ كَانَ قَوْلُهُ :﴿ وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ﴾ مُفْتَقِرًا إلَى خَبَرٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ ؟ وَقَدْ رُوِيَ فِي مَعْنَى ظَاهِرِ الْآيَةِ أَخْبَارٌ ؛ رَوَى مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ عَنْ مَالِكٍ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحِدْثَانِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :{ فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا مِنْ جَمْعٍ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا أَوْ تِبْرًا أَوْ فِضَّةً لَا يُعِدُّهُ لِغَرِيمٍ، وَلَا يُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهِيَ كَيٌّ يُكْوَى بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ : قُلْت : اُنْظُرْ مَا يَجِيءُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ قَدْ فَشَتْ فِي النَّاسِ فَقَالَ : أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ :﴿ وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ﴾ } الْآيَةَ.
فَاقْتَضَى ظَاهِرُهُ أَنَّ فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا لَا جَمِيعُهَا، وَهِيَ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَفِي