الصَّحَابَةِ قَوْمٌ ذَوُو يَسَارٍ ظَاهِرٍ وَأَمْوَالٍ جَمَّةٍ مِثْلُ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِخْرَاجِ الْجَمِيعِ، فَثَبَتَ أَنَّ إخْرَاجَ جَمِيعِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَأَنَّ الْمَفْرُوضَ إخْرَاجُهُ هُوَ الزَّكَاةُ إلَّا أَنْ تَحْدُثَ أُمُورٌ تُوجِبُ الْمُوَاسَاةَ وَالْإِعْطَاءَ نَحْوِ الْجَائِعِ الْمُضْطَرِّ وَالْعَارِي الْمُضْطَرِّ أَوْ مَيِّتٍ لَيْسَ لَهُ مَنْ يُكَفِّنُهُ أَوْ يُوَارِيهِ.
وَقَدْ رَوَى شَرِيكٌ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :﴿ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ، وَتَلَا قَوْله تَعَالَى :{ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ﴾ الْآيَةَ }.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ : وَلَا يُنْفِقُونَ مِنْهَا، فَحَذَفَ ( مِنْ ) وَهُوَ يُرِيدُهَا، وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾ فَأَمَرَ بِأَخْذِ بَعْضِ الْمَالِ لَا جَمِيعِهِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ نَسْخَ الْأَوَّلِ إذْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ : وَلَا يُنْفِقُونَ مِنْهَا.
وَأَمَّا الْكَنْزُ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ كَبْسُ الشَّيْءِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ الْهُذَلِيُّ : لَا دَرَّ دَرِّي إنْ أَطْعَمْت نَازِلَكُمْ قَرْفَ الْحَتِيِّ وَعِنْدِي الْبُرُّ مَكْنُوزُ وَيُقَالُ : كَنَزْت التَّمْرَ إذَا كَبَسْته فِي الْقَوْصَرَةِ، وَهُوَ فِي الشَّرْعِ لِمَا لَمْ يُؤَدَّ زَكَاتُهُ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَعَامِرٍ وَالسُّدِّيِّ قَالُوا : مَا لَمْ يُؤَدَّ زَكَاتُهُ فَهُوَ كَنْزٌ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا وَمَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ، وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَسْمَاءَ الشَّرْعِ لَا تُؤْخَذُ إلَّا تَوْقِيفًا، فَثَبَتَ أَنَّ الْكَنْزَ اسْمٌ لِمَا لَمْ يُؤَدَّ زَكَاتُهُ الْمَفْرُوضَةُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ تَقْدِيرُ قَوْلِهِ :{