قَوْله تَعَالَى :﴿ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ﴾ رُوِيَ أَنَّ الشَّعْبِيَّ كَانَ جَالِسًا لِلْقَضَاءِ فَجَاءَهُ رَجُلٌ يَبْكِي وَيَدَّعِي أَنَّ رَجُلًا ظَلَمَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ بِحَضْرَتِهِ : يُوشِكُ أَنْ يَكُونُ هَذَا مَظْلُومًا، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ : إخْوَةُ يُوسُفَ خَانُوا وَظَلَمُوا وَكَذَبُوا وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ فَأَظْهَرُوا الْبُكَاءَ لِفَقْدِ يُوسُفَ لِيُبَرِّئُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ الْخِيَانَةِ وَأَوْهَمُوهُ أَنَّهُمْ مُشَارِكُونَ لَهُ فِي الْمُصِيبَةِ وَيُلَقِّنُوا مَا كَانَ أَظْهَرَهُ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُمْ مِنْ خَوْفِهِ عَلَى يُوسُفَ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ، فَقَالُوا :﴿ إنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ ﴾، يُقَالُ : نَنْتَضِلُ مِنْ السِّبَاقِ فِي الرَّمْيِ، وَقِيلَ : نَسْتَبِقُ بِالْعَدْوِ عَلَى الرِّجْلِ ﴿ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا ﴾ يَعْنِي : بِمُصَدِّقٍ وَجَاءُوا بِقَمِيصٍ عَلَيْهِ دَمٌ فَزَعَمُوا أَنَّهُ دَمُ يُوسُفَ.
قَوْله تَعَالَى :﴿ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾ يَعْنِي مَكْذُوبٌ فِيهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ، قَالَ :" لَوْ كَانَ أَكَلَهُ الذِّئْبُ لَخَرَقَهُ فَكَانَتْ عَلَامَةُ الْكَذِبِ ظَاهِرَةً فِيهِ وَهُوَ صِحَّةُ الْقَمِيصِ مِنْ غَيْرِ تَخْرِيقٍ ".
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ :" كَانَ فِي قَمِيصِ يُوسُفَ ثَلَاثُ آيَاتٍ : الدَّمُ وَالشَّقُّ وَإِلْقَاؤُهُ عَلَى وَجْهِ أَبِيهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ".
وَقَالَ الْحَسَنُ :" لَمَّا رَأَى الْقَمِيصَ صَحِيحًا قَالَ : يَا بُنَيَّ وَاَللَّهِ مَا عَهِدْت الذِّئْبَ حَلِيمًا ".
قَوْله تَعَالَى :﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ ﴾ أَمْرًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَطَعَ بِخِيَانَتِهِمْ وَظُلْمِهِمْ وَأَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَأْكُلْهُ الذِّئْبُ لِمَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ مِنْ صِحَّةِ الْقَمِيصِ مِنْ غَيْرِ تَخْرِيقٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِمَا يَظْهَرُ مِنْ الْعَلَامَةِ فِي مِثْلِهِ فِي التَّكْذِيبِ، أَوْ التَّصْدِيقِ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَطَعَ بِأَنَّ الذِّئْبَ لَمْ يَأْكُلْهُ بِظُهُورِ عَلَامَةِ كَذِبِهِمْ.