قَوْله تَعَالَى :﴿ ارْجِعُوا إلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إنَّ ابْنَك سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إلَّا بِمَا عَلِمْنَا ﴾ إنَّمَا أَخْبَرُوا عَنْ ظَاهِرِ الْحَالِ لَا عَنْ بَاطِنِهَا ؛ إذْ لَمْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِبَاطِنِهَا وَلِذَلِكَ قَالُوا :﴿ وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ﴾ فَكَانَ فِي الظَّاهِرِ لَمَّا وُجِدَ الصَّاعُ فِي رَحْلِهِ أَنَّهُ هُوَ الْآخِذُ لَهُ فَقَالُوا :﴿ وَمَا شَهِدْنَا إلَّا بِمَا عَلِمْنَا ﴾ يَعْنِي مِنْ الْأَمْرِ الظَّاهِرِ لَا مِنْ الْحَقِيقَةِ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إطْلَاقِ اسْمِ الْعِلْمِ مِنْ طَرِيقِ الظَّاهِرِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ حَقِيقَةً، وَهُوَ كَقَوْلِهِ :﴿ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ ﴾ وَمَعْلُومٌ أَنَّا لَا نُحِيطُ بِضَمَائِرِهِنَّ عِلْمًا وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ إيمَانِهِنَّ.
وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ :﴿ وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ﴾ مَعْنَيَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ :" مَا كُنَّا نَشْعُرُ أَنَّ ابْنَك سَيَسْرِقُ "، وَالْآخَرُ : مَا قَدَّمْنَا، وَهُوَ أَنَّا لَا نَدْرِي بَاطِنَ الْأَمْرِ فِي السَّرِقَةِ.
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ جَازَ لَهُ اسْتِخْرَاجُ الصَّاعِ مِنْ رَحْلِ أَخِيهِ عَلَى حَالٍ يُوجِبُ تُهْمَتَهُ عِنْدَ النَّاسِ مَعَ بَرَاءَةِ سَاحَتِهِ وَعَمَّ أَبِيهِ وَإِخْوَتَهُ بِهِ ؟ قِيلَ لَهُ : لِأَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ ضُرُوبٌ مِنْ الصَّلَاحِ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ مُوَاطَأَةٍ مِنْ أَخِيهِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَلَطُّفٍ فِي إعْلَامِ أَبِيهِ بِسَلَامَتِهِمَا، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَّهِمَهُ بِالسَّرِقَةِ مَعَ إمْكَانِ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ جَعَلَهُ فِي رَحْلِهِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ بِذَلِكَ تَعْظِيمًا لِيَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْبَلْوَى بِفَقْدِهِ أَيْضًا لِيَصْبِرَ فَيَتَضَاعَفَ لِيَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ بِصَبْرِهِ عَلَى فَقْدِهِمَا.


الصفحة التالية
Icon