قَوْله تَعَالَى :﴿ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ﴾ يُقَالُ : إنَّ التَّحِيَّةَ لِلْمُلُوكِ كَانَتْ السُّجُودَ وَقِيلَ : إنَّهُمْ سَجَدُوا لِلَّهِ شُكْرًا لَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ الِاجْتِمَاعِ مَعَ يُوسُفَ عَلَى الْحَالِ السَّارَّةِ، وَأَرَادُوا بِذَلِكَ التَّعْظِيمَ لِيُوسُفَ، فَأَضَافَ السُّجُودَ إلَى يُوسُفَ مَجَازًا كَمَا يُقَالُ :" صَلَّى لِلْقِبْلَةِ " وَ " صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ " يَعْنِي إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ.
وَقَوْلُ يُوسُفَ :﴿ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ ﴾ يَعْنِي سُجُودَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ فَكَانَ السُّجُودُ فِي الرُّؤْيَا هُوَ السُّجُودُ فِي الْيَقَظَةِ، وَكَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْكَوَاكِبُ أَبَوَيْهِ وَإِخْوَتَهُ وَيُقَالُ فِي قَوْلِهِ :﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ﴾ إنَّ أُمَّهُ كَانَتْ مَاتَتْ وَتَزَوَّجَ خَالَتَهُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ السُّدِّيِّ وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ إِسْحَاقَ : كَانَتْ أُمُّهُ بَاقِيَةً " وَرُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ : كَانَتْ الْمُدَّةُ بَيْنَ الرُّؤْيَا وَبَيْنَ تَأْوِيلِهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً "، وَعَنْ الْحَسَنِ : كَانَتْ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ :" ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً " فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَتْ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ صَادِقَةً فَهَلَّا تَسَلَّى يَعْقُوبُ بِعِلْمِهِ بِوُقُوعِ تَأْوِيلِ رُؤْيَا يُوسُفَ قِيلَ لَهُ : لِأَنَّهُ رَآهَا وَهُوَ صَبِيٌّ، وَقِيلَ لِأَنَّ طُولَ الْغَيْبَةِ عَنْ الْحَبِيبِ يُوجِبُ الْحُزْنَ كَمَا يُوجِبُهُ مَعَ الثِّقَةِ بِالِالْتِقَاءِ فِي الْآخِرَةِ.


الصفحة التالية
Icon