قَوْله تَعَالَى :﴿ حَتَّى إذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ﴾ الْيَأْسُ انْقِطَاعُ الطَّمَعِ وَقَوْلُهُ : كُذِبُوا قُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ وَبِالتَّثْقِيلِ، فَإِذَا قُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ كَانَ مَعْنَاهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ قَالُوا : ظَنَّ الْأُمَمُ أَنَّ الرُّسُلَ كَذَبُوهُمْ فِيمَا أَخْبَرُوهُمْ بِهِ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ وَهَلَاكِ أَعْدَائِهِمْ ".
وَرُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَبْحَابِ قَالَ : حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي حُرَّةَ الْجَزَرِيُّ قَالَ : صَنَعْت طَعَامًا فَدَعَوْت نَاسًا مِنْ أَصْحَابِنَا فِيهِمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَرْسَلْت إلَى الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ فَأَبَى أَنْ يَجِيءَ، فَأَتَيْتُهُ فَلَمْ أَدَعْهُ حَتَّى جَاءَ، قَالَ : فَسَأَلَ فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَيْفَ تَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ فَإِنِّي إذَا أَتَيْت عَلَيْهِ تَمَنَّيْت أَنِّي لَا أَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ :﴿ حَتَّى إذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ﴾ قَالَ : نَعَمْ، حَتَّى إذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ مِنْ قَوْمِهِمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُمْ وَظَنَّ الْمُرْسَلُ إلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُلَ كُذِبُوا مُخَفَّفَةً فَقَالَ الضَّحَّاكُ : مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قَطُّ رَجُلًا يُدْعَى إلَى عِلْمٍ فَيَتَلَكَّأُ، لَوْ رَحَلْت فِي هَذَا إلَى الْيَمَنِ كَانَ قَلِيلًا.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ سَأَلَ سَعِيدًا عَنْهُ فَأَجَابَهُ بِذَلِكَ، فَقَامَ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَاعْتَنَقَهُ وَقَالَ : فَرَّجَ اللَّهُ عَنْك كَمَا فَرَّجْت عَنِّي.
وَمَنْ قَرَأَ :" كُذِّبُوا " بِالتَّشْدِيدِ كَانَ مَعْنَاهُ : أَيْقَنُوا أَنَّ الْأُمَمَ قَدْ كَذَّبُوهُمْ فَكَذِبُنَا عَمَّهُمْ حَتَّى لَا يُفْلِحَ أَحَدٌ مِنْهُمْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ.
آخِرُ سُورَةِ يُوسُفَ.


الصفحة التالية
Icon