أَبُو بَكْرٍ : قَوْلُهُ :﴿ وَيَسْأَلُونَك عَنْ الْمَحِيضِ ﴾ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ صِفَةِ الْحَيْضِ بِمَعْنَى يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وقَوْله تَعَالَى :﴿ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمَحِيضِ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَاجْتِنَابِ الرَّجُلِ جِمَاعَهَا وَإِخْبَارٌ عَنْ نَجَاسَةِ دَمِ الْحَيْضِ وَلُزُومِ اجْتِنَابِهِ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى وُجُودِهِ فِي حَالِ الْحَمْلِ وَعَدَمِهِ وَقَوْلُهُ :" لَمَّا قِيلَ النِّسَاءَ لَزِمَ فِي ذَلِكَ الْعُمُومُ " لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّهُ قَالَ :﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ وَقَوْلُهُ :﴿ فِي الْمَحِيضِ ﴾ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ الْحَيْضَ مَا هُوَ، وَمَتَى ثَبَتَ الْمَحِيضُ وَجَبَ الِاعْتِزَالُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي أَنَّ الدَّمَ الْخَارِجَ فِي وَقْتِ الْحَمْلِ هَلْ هُوَ حَيْضٌ أَمْ لَا، وَقَوْلُ الْخَصْمِ لَا يَكُونُ حُجَّةً لِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ :" إنَّ الدَّمَ إذَا خَرَجَ مِنْ فَرْجِهَا فَالْحَيْضُ أَوْلَى بِهِ " دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ مِنْ الْبُرْهَانِ، وَلِخَصْمِهِ أَنْ يَقُولَ : إنَّ الدَّمَ إذَا خَرَجَ مِنْ فَرْجِهَا فَغَيْرُ الْحَيْضِ أَوْلَى بِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ حَيْضٌ لِوُجُودِنَا دَمًا خَارِجًا مِنْ الرَّحِمِ غَيْرَ حَيْضٍ، فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ جَمِيعِ هَذَا الْكَلَامِ إلَّا دَعَاوَى مَبْنِيَّةٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَجَمِيعُهَا مُفْتَقِرٌ إلَى دَلِيلٍ يُعَضِّدُهَا.
وَقَدْ رَوَى مَطَرٌ الْوَرَّاقُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ فِي الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ :" إنَّهَا لَا تَدَعُ الصَّلَاةَ ".
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ : لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ عِنْدَنَا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ فِي الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ أَنَّهَا تُمْسِكُ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْهُرَ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِهِ الْحَامِلَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدَانِ فَوَلَدَتْ أَحَدَهُمَا أَنَّ النِّفَاسَ مِنْ الْأَوَّلِ وَأَنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ حَتَّى تَطْهُرَ، عَلَى مَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي ذَلِكَ، حَتَّى يُصَحِّحَ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا عَنْهَا.


الصفحة التالية
Icon