إنَّهُ لَمَّا سَوَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْجَادِّ وَالْهَازِلِ فِي الطَّلَاقِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ فِيهِ بِالْقَصْدِ لِلْإِيقَاعِ بَعْدَ وُجُودِ الْقَصْدِ مِنْهُ إلَى الْقَوْلِ فَاسْتَدْلَلْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ فِيهِ لِلْقَصْدِ لِلْإِيقَاعِ بَعْدَ وُجُودِ لَفْظِ الْإِيقَاعِ مِنْ مُكَلَّفٍ، وَأَمَّا الْكُفْرُ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ حُكْمُهُ بِالْقَصْدِ لَا بِالْقَوْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَصَدَ إلَى الْجِدِّ بِالْكُفْرِ أَوْ الْهَزْلِ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَلْفِظَ بِهِ وَأَنَّ الْقَاصِدَ إلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ إلَّا بِاللَّفْظِ ؟ وَيُبَيِّنُ لَك الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّاسِيَ إذَا تَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ وَقَعَ طَلَاقُهُ وَلَا يَصِيرُ كَافِرًا بِلَفْظِ الْكُفْرِ عَلَى وَجْهِ النِّسْيَانِ، وَكَذَلِكَ مَنْ غَلِطَ بِسَبْقِ لِسَانِهِ بِالْكُفْرِ لَمْ يَكْفُرْ وَلَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ، فَهَذَا يُبَيِّنُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَشُرَيْحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ قَالُوا :" طَلَاقُ الْمُكْرَهِ جَائِزٌ ".
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَطَاوُسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالُوا :" طَلَاقُ الْمُكْرَهِ لَا يَجُوزُ ".
وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ الشُّعَبِيِّ قَالَ :" إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى الطَّلَاقِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ ".


الصفحة التالية
Icon