قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴾ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ قَالُوا :" التَّبْذِيرُ إنْفَاقُ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ ".
وَقَالَ مُجَاهِدٌ :" لَوْ أَنْفَقَ مُدًّا فِي بَاطِلٍ كَانَ تَبْذِيرًا ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : مَنْ يَرَى الْحَجْرَ لِلتَّبْذِيرِ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ ؛ إذْ كَانَ التَّبْذِيرُ مَنْهِيًّا عَنْهُ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْإِمَامِ مَنْعُهُ مِنْهُ بِالْحَجْرِ وَالْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ إلَّا بِمِقْدَارِ نَفَقَةِ مِثْلِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى الْحَجْرَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّبْذِيرِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ، فَهُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ عَلَى نَفْسِهِ فَيَجُوزُ إقْرَارُهُ وَبِيَاعَاتِهِ كَمَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَالْقِصَاصَ، وَذَلِكَ مِمَّا تُسْقِطُهُ الشُّبْهَةُ، فَإِقْرَارُهُ وَعُقُودُهُ بِالْجَوَازِ أَوْلَى إذْ كَانَتْ مِمَّا لَا تُسْقِطُهُ الشُّبْهَةُ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا ﴾ قَوْله تَعَالَى :﴿ إنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ﴾ قِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُمْ أَخِوَانُهُمْ بِاتِّبَاعِهِمْ آثَارَهُمْ وَجَرْيِهِمْ عَلَى سُنَنِهِمْ، وَالثَّانِي : أَنَّهُمْ يُقْرَنُونَ بِالشَّيَاطِينِ فِي النَّارِ.