قَوْله تَعَالَى :﴿ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ﴾ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ :﴿ سُلْطَانًا ﴾ قَالُوا : حُجَّةٌ، كَقَوْلِهِ :﴿ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾ وَقَالَ الضَّحَّاكُ : السُّلْطَانُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَتْلِ وَبَيْنَ أَخْذِ الدِّيَةِ وَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَطْلُبَ الْقَاتِلَ حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَيْهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : السُّلْطَانُ لَفْظٌ مُجْمَلٌ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ فِي الْإِبَانَةِ عَنْ الْمُرَادِ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يَقَعُ عَلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَمِنْهَا الْحُجَّةُ وَمِنْهَا السُّلْطَانُ الَّذِي يَلِي الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ الْجَمِيعَ مُجْمِعُونَ أَنَّهُ قَدْ أُرِيدَ بِهِ الْقَوَدُ فَصَارَ الْقَوَدُ كَالْمَنْطُوقِ بِهِ فِي الْآيَةِ، وَتَقْدِيرُهُ فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا أَيْ قَوَدًا، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الدِّيَةَ مُرَادَةٌ فَلَمْ نُثْبِتْهَا وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَوَدُ دَلَّ ظَاهِرُهُ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا وَكِبَارًا أَنَّ لِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتَصُّوا قَبْلَ بُلُوغِ الصِّغَارِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلِيٌّ وَالصَّغِيرُ لَيْسَ بِوَلِيٍّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَفْوُهُ ؟ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَقْتَصُّ الْكِبَارُ حَتَّى يَبْلُغَ الصِّغَارُ فَيُقْتَصُّوا مَعَهُمْ أَوْ يَعْفُوا وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.