قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ :" الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ التِّجَارَةُ ".
وَقَالَ الضَّحَّاكُ : يَبْتَغِي بِهِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَلَا يَكُونُ لِلَّذِي يَبْتَغِي فِيهِ شَيْءٌ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : إنَّمَا خَصَّ الْيَتِيمَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا فِي أَمْوَالِ سَائِرِ النَّاسِ لِأَنَّ الْيَتِيمَ إلَى ذَلِكَ أَحْوَجُ وَالطَّمَعُ فِي مِثْلِهِ أَكْثَرُ، وَقَدْ انْتَظَمَ قَوْلُهُ :﴿ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ لِلْوَالِي عَلَيْهِ مِنْ جَدٍّ أَوْ وَصِيِّ أَبٍ لِسَائِرِ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَحْسَنَ مَا كَانَ فِيهِ حِفْظُ مَالِهِ وَتَثْمِيرُهُ، فَجَائِزٌ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ لِلْيَتِيمِ بِمَا لَا ضَرَرَ عَلَى الْيَتِيمِ فِيهِ وَبِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَأَقَلِّ مِنْهَا مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ يَرَوْنَ ذَلِكَ حَطًّا لِمَا يَرْجُونَ فِيهِ مِنْ الرِّبْحِ وَالزِّيَادَةِ وَلِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ النُّقْصَانِ مِمَّا يَخْتَلِفُ الْمُقَوِّمُونَ فِيهِ، فَلَمْ تَثْبُتُ هُنَاكَ حَطِيطَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْيَتِيمِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مُتَيَقَّنٌ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ أَنْ يُقْرَبَ مَالُ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
وَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى جَوَازِ إجَارَةِ مَالِ الْيَتِيمِ وَالْعَمَلِ بِهِ مُضَارَبَةً لِأَنَّ الرِّبْحَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْيَتِيمُ إنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ بِعَمَلِ الْمُضَارِبِ، فَذَلِكَ أَحْسَنُ مِنْ تَرْكِهِ وَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :﴿ ابْتَغُوا بِأَمْوَالِ الْأَيْتَامِ خَيْرًا لَا تَأْكُلْهَا الصَّدَقَةُ ﴾، قِيلَ : مَعْنَاهُ النَّفَقَةُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تُسَمَّى صَدَقَةً.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :{ مَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ