قَوْله تَعَالَى :﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَحْسَنُ عَاقِبَةً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالتَّأْوِيلُ هُوَ الَّذِي إلَيْهِ مَرْجِعُ الشَّيْءِ وَتَفْسِيرُهُ، مِنْ قَوْلِهِمْ : آلَ يُؤَوِّلُ أَوَّلًا إذَا رَجَعَ.
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ ﴾ الْقَفْوُ اتِّبَاعُ الْأَثَرِ مِنْ غَيْرِ بَصِيرَةٍ وَلَا عِلْمٍ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ، وَمِنْهُ الْقَافَةُ وَكَانَتْ الْعَرَبُ فِيهَا مَنْ يَقْتَافُ الْأَثَرَ وَفِيهَا مَنْ يَقْتَافُ النَّسَبَ، وَقَدْ كَانَ هَذَا الِاسْمُ مَوْضُوعًا عِنْدَهُمْ لِمَا يُخْبِرُ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ غَيْرِ حَقِيقَةٍ، يَقُولُونَ : تَقَوَّفَ الرَّجُلُ إذَا قَالَ الْبَاطِلَ قَالَ جَرِيرٌ : وَطَالَ حِذَارِي خِيفَةَ الْبَيْنِ وَالنَّوَى وَأُحْدُوثَةٍ مِنْ كَاشِحٍ مُتَقَوِّفِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : أَرَادَ بِقَوْلِهِ الْبَاطِلَ.
وَقَالَ آخَرُ : وَمِثْلُ الدُّمَى شَمُّ الْعَرَانِينِ سَاكِنٌ بِهِنَّ الْحَيَاءُ لَا يُشِعْنَ التَّقَافِيَا أَيْ التَّقَاذُفَ.
وَإِنَّمَا سُمِّيَ التَّقَاذُفُ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّ أَكْثَرَهُ يَكُونُ عَنْ غَيْرِ حَقِيقَةٍ وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ بِكَذِبِ الْقَاذِفِ إذَا لَمْ يَأْتِ بِالشُّهُودِ بِقَوْلِهِ :﴿ لَوْلَا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إفْكٌ مُبِينٌ ﴾ قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ ﴾ :" لَا تَقُلْ سَمِعْت وَلَمْ تَسْمَعْ وَلَا رَأَيْت وَلَمْ تَرَهُ وَلَا عَلِمْت وَلَمْ تَعْلَمْ ".
وَقَدْ اقْتَضَى ذَلِكَ نَهْيَ الْإِنْسَانِ عَنْ أَنْ يَقُولَ فِي أَحْكَامِ اللَّهِ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ عَلَى جِهَةِ الظَّنِّ وَالْحُسْبَانِ وَأَنْ لَا يَقُولَ فِي النَّاسِ مِنْ السُّوءِ مَا لَا يَعْلَمْ صِحَّتَهُ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَهُوَ آثِمٌ فِي خَبَرِهِ كَذِبًا كَانَ خَبَرُهُ أَوْ صِدْقًا لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَقَدْ نَهَاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.