عَنْهُمْ بِاكْتِفَائِهِمْ بِمَنْ هُنَاكَ سَوَاءٌ اُسْتُنْفِرُوا أَوْ لَمْ يُسْتَنْفَرُوا، وَمَتَى قَامَ الَّذِينَ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ بِفَرْضِ الْجِهَادِ، وَاسْتَغْنَوْا بِأَنْفُسِهِمْ عَمَّنْ وَرَاءَهُمْ فَلَيْسَ عَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ فَرْضُ الْجِهَادِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ الْخُرُوجَ لِلْقِتَالِ فَيَكُونَ فَاعِلًا لِلْفَرْضِ، وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا فِي الْقُعُودِ بَدِيَّا لِأَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَمَتَى قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ.
وَقَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ :﴿ لَا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِنَّ اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا ﴾، فَأَمَرَ بِالنَّفِيرِ عِنْدَ الِاسْتِنْفَارِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الْأَرْضِ ﴾ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاسْتِنْفَارِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمْ لِأَنَّ أَهْلَ الثُّغُورِ مَتَى اكْتَفَوْا بِأَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ حَاجَةٌ إلَى غَيْرِهِمْ فَلَيْسَ يَكَادُونَ يُسْتَنْفَرُونَ، وَلَكِنْ لَوْ اسْتَنْفَرَهُمْ الْإِمَامُ مَعَ كِفَايَةِ مَنْ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ مِنْ أَهْلِ الثُّغُورِ وَجُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَغْزُوَ أَهْلَ الْحَرْبِ وَيَطَأَ دِيَارَهُمْ فَعَلَى مِنْ اُسْتُنْفِرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْفِرُوا.
وَهَذَا هُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي فَرْضِ الْجِهَادِ، فَحُكِيَ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَالثَّوْرِيِّ فِي آخَرِينَ أَنَّ الْجِهَادَ تَطَوُّعٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ، وَقَالُوا :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ ﴾ لَيْسَ عَلَى الْوُجُوبِ بَلْ عَلَى النَّدْبِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ


الصفحة التالية
Icon