لَمَا أَوْجَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا هَدْيًا عِنْدَ تَرْكِهَا الْمَشْيَ.
قَوْله تَعَالَى :﴿ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ رَوَى جُوَيْبِرٌ عَنْ الضَّحَّاكِ :﴿ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ قَالَ :" بَلَدٌ بَعِيدٌ ".
وَقَالَ قَتَادَةُ :" مَكَانٌ بَعِيدٌ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : الْفَجُّ الطَّرِيقُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : مِنْ طَرِيقٍ بَعِيدٍ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ :" الْعُمْقُ الذَّاهِبُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَالْعُمْقُ الذَّاهِبُ فِي الْأَرْضِ ".
قَالَ رُؤْبَةُ : وَقَاتِمِ الْأَعْمَاقِ خَاوِي الْمُخْتَرَقْ فَأَرَادَ بِالْعُمْقِ هَذَا الذَّاهِبَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَالْعَمِيقُ الْبَعِيدُ لِذَهَابِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، قَالَ الشَّاعِرُ : يَقْطَعْنَ نُورَ النَّازِحِ الْعَمِيقِ يَعْنِي الْبَعِيدَ.
وَقَدْ رَوَتْ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ أُمَيَّةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ :﴿ مَنْ أَهَلَّ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ﴾.
وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَحْرَمَ مِنْ الْكُوفَةِ بِعُمْرَةٍ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ الشَّامِ فِي الشِّتَاءِ، وَأَحْرَمَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَحْرَمَ مِنْ الْبَصْرَةِ.
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ قَالَ :" أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ ".
وَقَالَ عَلِيٌّ وَعُمَرُ :" مَا أَرَى أَنْ يَعْتَمِرَ إلَّا مِنْ حَيْثُ ابْتَدَأَ " وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ : قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ : الرَّجُلُ يُحْرِمُ مِنْ سَمَرْقَنْدَ أَوْ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ الْبَصْرَةِ أَوْ الْكُوفَةِ ؟ فَقَالَ :" يَا لَيْتَنَا نَسْلَمُ مِنْ وَقْتِنَا الَّذِي وُقِّتَ لَنَا "، فَكَأَنَّهُ كَرِهَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِمَا يَخَافُ مِنْ مُوَاقَعَةِ مَا يَحْظُرُهُ الْإِحْرَامُ لَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ.