بَكْرٍ : قَدْ ثَبَتَ عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ وَاسْتَفَاضَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَغَيْرُ جَائِزٍ لِمَنْ بَعْدَهُمْ خِلَافُهُمْ ؛ إذْ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ نُظَرَائِهِمْ خِلَافُهُ فَثَبَتَتْ حُجَّتُهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ سَبِيلَ تَقْدِيرِ أَيَّامِ النَّحْرِ التَّوْقِيفُ أَوْ الِاتِّفَاقُ ؛ إذْ لَا سَبِيلَ إلَيْهَا مِنْ طَرِيقِ الْمَقَايِيسِ، فَلَمَّا قَالَ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالثَّلَاثَةِ صَارَ ذَلِكَ تَوْقِيفًا، كَمَا قُلْنَا فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَتَقْدِيرِ الْمَهْرِ وَمِقْدَارِ التَّشَهُّدِ فِي إكْمَالِ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا مِنْ الْمَقَادِيرِ الَّتِي طَرِيقُ إثْبَاتِهَا التَّوْقِيفُ أَوْ الِاتِّفَاقُ إذَا قَالَ بِهِ قَائِلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ثَبَتَتْ حُجَّتُهُ وَكَانَ ذَلِكَ تَوْقِيفًا.
وَأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَيَّامِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَكَانَ ذِكْرُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ يَنُوبُ عَنْ الْآخَرِ، فَلَمَّا وَجَدْنَا الرَّمْيَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَوَجَدْنَا النَّحْرَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَقَالَ قَائِلُونَ : إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَقُلْنَا نَحْنُ : يَوْمَانِ بَعْدَهُ، وَجَبَ أَنْ نُوجِبَ فَرْقًا بَيْنَهُمَا، لِإِثْبَاتِ فَائِدَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَا لَيْسَ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وَهُوَ آخِرُ أَيَّامِهَا.
وَاحْتَجَّ مَنْ جَعَلَ النَّحْرَ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِمَا رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ كُلُّ عَرَفَاتِ مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ عُرَنَةَ، وَكُلُّ مُزْدَلِفَةَ مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ مُحَسِّرٍ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ وَكُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ ﴾، وَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ ذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ : لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ


الصفحة التالية
Icon