قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ رَوَى طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ :﴿ وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ قَالَ :" مَنْ سَأَلَكَ ".
وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : الْبَائِسُ الَّذِي يَسْأَلُ بِيَدِهِ إذَا سَأَلَ ".
وَإِنَّمَا سُمِّيَ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ بَائِسًا لِظُهُورِ أَثَرِ الْبُؤْسِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَمُدَّ يَدَهُ لِلْمَسْأَلَةِ، وَهَذَا عَلَى جِهَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْوَصْفِ لَهُ بِالْفَقْرِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْمِسْكِينِ ؛ لِأَنَّ الْمِسْكِينَ مَنْ هُوَ فِي نِهَايَةِ الْحَاجَةِ وَالْفَقْرِ، وَهُوَ الَّذِي قَدْ ظَهَرَ عَلَيْهِ السُّكُونُ لِلْحَاجَةِ وَسُوءِ الْحَالِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَجِدُ شَيْئًا، وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ قَدْ انْتَظَمَتْ سَائِرَ الْهَدَايَا وَالْأَضَاحِيّ وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ لَإِبَاحَة الْأَكْلِ مِنْهَا وَالنَّدْبِ إلَى الصَّدَقَةِ بِبَعْضِهَا.
وَقَدَّرَ أَصْحَابُنَا فِيهِ الصَّدَقَةَ بِالثُّلُثِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لُحُومِ الْأَضَاحِيّ :﴿ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا ﴾ فَجَعَلُوا الثُّلُثَ لِلْأَكْلِ وَالثُّلُثَ لِلِادِّخَارِ وَالثُّلُثَ لِلْبَائِسِ الْفَقِيرِ.
وَفِي قَوْله تَعَالَى :﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ دَلَالَةٌ عَلَى حَظْرِ بَيْعِهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا ﴾ وَفِي ذَلِكَ مَنْعُ الْبَيْعِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : أَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَقَالَ :﴿ اقْسِمْ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا وَلَا تُعْطِ الْجَازِرَ مِنْهَا شَيْئًا فَإِنَّا نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا ﴾، فَمَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا أُجْرَةُ الْجَازِرِ، وَفِي ذَلِكَ مَنْعٌ مِنْ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَ الْجَازِرِ ذَلِكَ مِنْ