بَابُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ فَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ :" ﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا ﴾ طَوَافَ الزِّيَارَةِ " وَقَالَ مُجَاهِدٌ :" الطَّوَافُ الْوَاجِبُ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَالْأَوَامِرُ عَلَى الْوُجُوبِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ مَعْطُوفًا عَلَى الْأَمْرِ بِقَضَاءِ التَّفَثِ، وَلَا طَوَافَ مَفْعُولٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ بَعْدَ الذَّبْحِ إلَّا طَوَافُ الزِّيَارَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ.
فَإِنْ قِيلَ : يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ الَّذِي فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حِينَ قَدِمُوا مَكَّةَ وَحَلُّوا بِهِ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ وَجَعَلُوهُ عُمْرَةً إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ فَمَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ الْإِحْلَالِ وَمَضَى عَلَى حَجَّتِهِ.
قِيلَ لَهُ : لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ عَقِيبَ الذَّبْحِ، وَذَبْحُ الْهَدْيِ إنَّمَا يَكُونُ يَوْمَ النَّحْرِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ :﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ وَحَقِيقَةُ " ثُمَّ " لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّرَاخِي، وَطَوَافُ الْقُدُومِ مَفْعُولٌ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ هُوَ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ حَتَّى تَقُومَ دَلَالَةُ النَّدْبِ، وَطَوَافُ الْقُدُومِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَفِي صَرْفِ الْمَعْنَى إلَيْهِ صَرْفٌ لِلْكَلَامِ عَنْ حَقِيقَتِهِ.
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الطَّوَافَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ