وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِهِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ ؛ إذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى تَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ، وَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ تَأْخِيرِهِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ :" أَنَّهُ حَجَّ مَعَ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ لَمْ يَزُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْبَيْتَ إلَى يَوْمِ النَّفْرِ إلَّا رِجَالًا كَانَتْ مَعَهُمْ نِسَاءٌ فَتَعَجَّلُوا "، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ عِنْدَنَا النَّفْرَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فَلَوْ خُلِّينَا وَظَاهِرَ الْآيَةِ لَمَا جَازَ تَأْخِيرُ الطَّوَافِ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا اتَّفَقَ السَّلَفُ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى إبَاحَةِ تَأْخِيرِهِ إلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ أَخَّرْنَاهُ وَلَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ :" مَنْ أَخَّرَهُ إلَى أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ " وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ :" لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ".
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا كَانَتْ " ثُمَّ " تَقْتَضِي التَّرَاخِي وَجَبَ جَوَازُ تَأْخِيرِهِ إلَى أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ الطَّائِفُ.
قِيلَ لَهُ : لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ، وَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي إيجَابَ تَأْخِيرِهِ إذَا حُمِلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ التَّأْخِيرُ وَاجِبًا وَكَانَ فِعْلُهُ وَاجِبًا لَا مَحَالَةَ اقْتَضَى ذَلِكَ لُزُومَ فِعْلِهِ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي أُمِرَ فِيهِ بِقَضَاءِ التَّفَثِ، فَاسْتِدْلَالُكَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِهِ أَبَدًا غَيْرُ صَحِيحٍ مَعَ كَوْنِ " ثُمَّ " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ غَيْرَ مُرَادٍ بِهَا حَقِيقَةُ مَعْنَاهَا مِنْ وُجُوبِ فِعْلِهِ عَلَى التَّرَاخِي، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ أَخَّرَ الْحَلْقَ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إنَّ