وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ، فَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ قَالَ :" رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَا يُضَحِّيَانِ ".
وَقَالَ عِكْرِمَةُ :" كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَبْعَثُنِي يَوْمَ الْأَضْحَى بِدِرْهَمَيْنِ أَشْتَرِي لَهُ لَحْمًا وَيَقُولُ : مَنْ لَقِيت فَقُلْ هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ ".
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ :" لَيْسَتْ بِحَتْمٍ وَلَكِنْ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ ".
وَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ :" إنِّي لَأَدَعُ الْأَضْحَى وَأَنَا مُوسِرٌ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى جِيرَانِي أَنَّهُ حَتْمٌ عَلَيَّ ".
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ :" الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ إلَّا عَلَى مُسَافِرٍ " وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ :" كَانُوا إذَا شَهِدُوا ضَحَّوْا وَإِذَا سَافَرُوا لَمْ يُضَحُّوا ".
وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ :" الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ ".
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ :" الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ الْيَسَارِ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى الْمُقِيمِينَ دُونَ الْمُسَافِرِينَ، وَلَا أُضْحِيَّةَ عَلَى الْمُسَافِرِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَحَدُّ الْيَسَارِ فِي ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِيهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ " وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ ذَلِكَ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَهِيَ سُنَّةٌ.
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ :" عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ أُضْحِيَّةٌ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ، وَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ ".
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ :" لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ ".
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ :" لَا بَأْسَ بِتَرْكِهَا ".
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ :" يُؤْثِرُ بِهَا أَبَاهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يُضَحِّيَ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَمَنْ يُوجِبُهَا يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَيُحْتَجُّ لَهُ بِقَوْلِهِ :﴿ قُلْ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت ﴾ قَدْ اقْتَضَى الْأَمْرُ بِالْأُضْحِيَّةِ ؛ لِأَنَّ النُّسُكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْمُرَادِ بِهِ