قَوْله تَعَالَى :﴿ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ ﴾ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ ؛ إذْ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا مَمْلُوكَةِ يَمِينٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.
فِي قَوْلِهِ :﴿ وَرَاءَ ذَلِكَ ﴾ مَعْنَاهُ : غَيْرَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ :﴿ الْعَادُونَ ﴾ يَعْنِي مَنْ يَتَعَدَّى الْحَلَالَ إلَى الْحَرَامِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ لِحِفْظِ الْفُرُوجِ وَإِخْبَارٌ عَنْ إبَاحَةِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ، فَاقْتَضَتْ الْآيَةُ حَظْرَ مَا عَدَا هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ فِي الزَّوْجَاتِ وَمِلْكِ الْأَيْمَانِ، وَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى إبَاحَةِ وَطْءِ الزَّوْجَاتِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ لِعُمُومِ اللَّفْظِ فِيهِنَّ.
إنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ ذَلِكَ عُمُومًا فِي إبَاحَةِ وَطْئِهِنَّ لَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ وَطْؤُهُنَّ فِي حَالِ الْحَيْضِ وَوَطْءُ الْأَمَةِ ذَاتِ الزَّوْجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قِيلَ لَهُ : قَدْ اقْتَضَى عُمُومُ اللَّفْظِ إبَاحَةَ وَطْئِهِنَّ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ، إلَّا أَنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ قَامَتْ عَلَى تَخْصِيصِ مَنْ ذَكَرْت كَسَائِرِ الْعُمُومِ إذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ بَقَاءَ حُكْمِ الْعُمُومِ فِيمَا لَمْ يُخَصَّ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ مَتَى أُطْلِقَ عُقِلَ بِهِ الْأَمَةُ وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكَانِ، وَلَا يَكَادُ يُطْلَقُ مِلْكُ الْيَمِينِ فِي غَيْرِ بَنِي آدَمَ، لَا يُقَالُ لِلدَّارِّ وَالدَّابَّةِ مِلْكُ الْيَمِينِ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ أَخَصُّ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِمَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الدَّارِ بِالنَّقْضِ وَالْبِنَاءِ وَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي بَنِي آدَمَ وَيَجُوزُ عَارِيَّةُ الدَّارِ وَغَيْرُهَا مِنْ الْعُرُوضِ وَلَا يَجُوزُ عَارِيَّةُ الْفُرُوجِ ؟.