سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ رَيْحَانَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ ﴾، فَاخْتَلَفُوا فِي رَفْعِهِ، ، وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى :﴿ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ﴾ عَامٌّ فِي سَائِرِهِمْ مَنْ قَدَرَ مِنْهُمْ عَلَى الْكَسْبِ، وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاَلَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْحَقِّ لِلسَّائِلِ الْقَوِيِّ الْمُكْتَسِبِ، إذْ لَمْ تُفَرِّقْ الْآيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَيَدُلُّ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى :﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ ﴾ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْقَوِيِّ الْمُكْتَسِبِ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَكْتَسِبُ مِنْ الضُّعَفَاءِ.
فَهَذِهِ الْآيَاتُ كُلُّهَا قَاضِيَةٌ بِبُطْلَانِ قَوْلِ الْقَائِلِ بِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تُعْطَى الْفَقِيرَ إذَا كَانَ قَوِيًّا مُكْتَسِبًا، وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا بِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا لِاخْتِلَافِهِمْ فِي رَفْعِهِ، وَاضْطِرَابِ مَتْنِهِ ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ :﴿ قَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ ﴾ وَبَعْضُهُمْ :﴿ لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ ﴾.
وَقَدْ رُوِيَتْ أَخْبَارٌ هِيَ أَشَدُّ اسْتِفَاضَةً، وَأَصَحُّ طُرُقًا مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مُعَارَضَةً لَهُمَا، مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ وَقَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا فِي إحْدَى ثَلَاثٍ فَذَكَرَ إحْدَاهُنَّ فَقْرٌ مُدْقِعٌ، وَقَالَ : أَوْ رَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ أَوْ رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ ﴾، وَلَمْ يَشْرُطْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عَدَمَ الْقُوَّةِ وَالْعَجْزَ عَنْ الِاكْتِسَابِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ سُلَيْمَانَ ﴿ أَنَّهُ حَمَلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةً، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : كُلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ ﴾،


الصفحة التالية
Icon