غَيْبَتُهُ طَوِيلَةً، وَأَرَادَ الْمُقَامَ بِهَا فَإِنَّهُ يُؤَدِّي زَكَاتَهُ حَيْثُ هُوَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ :﴿ إنْ أَخْرَجَهَا إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ لَمْ يَبِنْ لِي أَنَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ ﴾.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى :﴿ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ﴾ يَقْتَضِي جَوَازَ إعْطَائِهَا فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمَالُ، وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ، وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا :﴿ أَيُّ مَوْضِعٍ أَدَّى فِيهِ أَجْزَأَهُ ﴾، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّا لَمْ نَرَ فِي الْأُصُولِ صَدَقَةً مَخْصُوصَةً بِمَوْضِعٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ أَدَاؤُهَا فِي غَيْرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ كَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَسَائِرِ الصَّدَقَاتِ لَا يَخْتَصُّ جَوَازُهَا بِأَدَائِهَا فِي مَكَان دُونَ غَيْرِهِ ؟ وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ مُعَاذًا قَالَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ : ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ أَيْسَرُ عَلَيْكُمْ، وَخَيْرٌ لِمَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْقُلُهَا مِنْ الْيَمَنِ إلَى الْمَدِينَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كَانُوا أَحْوَجَ إلَيْهَا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَرَوَى عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ أَنَّهُ نَقَلَ صَدَقَةَ طَيِّئٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِلَادُهُمْ بِالْبُعْدِ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَنَقَلَ أَيْضًا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ صَدَقَاتِ قَوْمِهِمَا إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مِنْ بِلَادِ طَيِّئٍ وَبِلَادِ بَنِي تَمِيمٍ فَاسْتَعَانَ بِهَا عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَإِنَّمَا كَرِهُوا نَقْلَهَا إلَى بَلَدِ غَيْرِهِ إذَا تَسَاوَى أَهْلُ الْبَلَدَيْنِ فِي الْحَاجَةِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ :﴿ أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ حَقًّا فِي أَمْوَالِهِمْ يُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَيُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ ﴾، وَذَلِكَ يَقْتَضِي رَدَّهَا فِي فُقَرَاءِ الْمَأْخُوذِينَ مِنْهُمْ.