وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يَنْفِي حَمْلَ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ :( إذَا قَالَ لَيْسَ هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا لَهَا، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ يَوْمٍ لَمْ يُلَاعِنْ حَتَّى يَنْفِيَهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ )، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ :( إنْ جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَاعَنَ ).
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ :( أَنَّهُ يُلَاعِنُهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ ).
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ :( يُلَاعِنُ بِالْحَمْلِ )، وَذَكَرَ عَنْهُ الرَّبِيعُ :( أَنَّهُ لَا يُلَاعِنُ حَتَّى تَلِدَ ).
وَإِنَّمَا يُوجِبُ أَبُو حَنِيفَةَ اللِّعَانَ بِنَفْيِ الْحَمْلِ لِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونُ رِيحًا أَوْ دَاءً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ نَجْعَلَهُ قَذْفًا لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّ التَّعْرِيضَ الْمُحْتَمِلَ لِلْقَذْفِ وَلِغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ إيجَابُ اللِّعَانِ وَلَا الْحَدِّ بِهِ ؟ فَلَمَّا كَانَ مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ مَا نَفَاهُ وَلَدًا وَاحْتَمَلَ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوجِبَ اللِّعَانَ بِهِ قَبْلَ الْوَضْعِ، ثُمَّ إذَا وَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَيَقُّنًا أَنَّهُ كَانَ حَمْلًا فِي وَقْتِ النَّفْيِ لَمْ يَجِبْ اللِّعَانُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ وَالْقَذْفُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ :( إذَا وَلَدْتِ فَأَنْتِ زَانِيَةٌ ) لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا لَهَا بِالْوِلَادَةِ ؟ وَاحْتَجَّ مَنْ لَاعَنَ بِالْحَمْلِ بِمَا رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ :﴿ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاعَنَ بِالْحَمْلِ ﴾ ؛ وَإِنَّمَا أَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ مَا رَوَاهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَجَرِيرُ جَمِيعًا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ :{ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : أَرَأَيْتُمْ إنْ وَجَدَ رَجُلٌ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَإِنْ هُوَ قَتَلَهُ قَتَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ