جَمِيعًا، وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ لِلْجِنْسِ كَقَوْلِهِ :﴿ إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ﴾ وَقَوْلُهُ :﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴾.
وَأَيْضًا لَا خِلَافَ أَنَّ الدَّمَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالنُّكُولِ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحُدُودِ، فَكَانَ فِي اللِّعَانِ أَوْلَى أَنْ لَا يُسْتَحَقَّ فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا قَالَ تَعَالَى :﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، وَهُوَ يَعْنِي حَدَّ الزِّنَا، ثُمَّ قَالَ :﴿ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ ﴾ فَعَرَّفَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْعَذَابُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ :﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ﴾.
قِيلَ لَهُ : لَيْسَتْ هَذِهِ قِصَّةً وَاحِدَةً وَلَا حُكْمًا وَاحِدًا حَتَّى يَلْزَمَ فِيهِ مَا قُلْت ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ إنَّمَا هِيَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الزَّانِيَيْنِ ثُمَّ حُكْمِ الْقَاذِفِ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا ثَابِتًا فِي قَاذِفِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَجْنَبِيَّاتِ جَارِيًا عَلَى عُمُومِهِ إلَى أَنْ نُسِخَ عَنْ قَاذِفِ الزَّوْجَاتِ بِاللِّعَانِ، وَلَيْسَ فِي ذِكْرِهِ الْعَذَابَ وَهُوَ يُرِيدُ بِهِ حَدَّ الزِّنَا فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْعَذَابَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي غَيْرِهِ مَا يُوجِبُهُ أَنَّ الْعَذَابَ الْمَذْكُورَ فِي لِعَانِ الزَّوْجَيْنِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الزَّانِيَيْنِ ؛ إذْ لَيْسَ يَخْتَصُّ الْعَذَابُ بِالْحَدِّ دُونَ غَيْرِهِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ إلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَدَّ، وَقَالَ :﴿ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ﴾ وَلَمْ يُرِدْ الْحَدَّ، وَقَالَ :﴿ وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ﴾ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَدَّ، وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ الْأَبْرَصِ : وَالْمَرْءُ مَا عَاشَ فِي تَكْذِيبٍ طُولُ الْحَيَاةِ لَهُ تَعْذِيبُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ ﴾ فَإِذَا كَانَ اسْمُ الْعَذَابِ لَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ الْإِيلَامِ دُونَ غَيْرِهِ،