بِنَفْسِهَا الْفُرْقَةَ دُونَ حُدُوثِ مَعْنًى آخَرَ، وَعِنْدَنَا لَوْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةٌ زَوْجًا غَيْرَ كُفْءٍ وَطَالَبَ الْأَوْلِيَاءُ بِالْفُرْقَةِ لَمْ يُعْمَلْ تَرَاضِي الزَّوْجَيْنِ فِي تَبْقِيَةِ النِّكَاحِ وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ بِخُصُومَةِ الْأَوْلِيَاءِ حَتَّى يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ ؛ فَهَذَا الِاسْتِدْلَال فَاسِدٌ عَلَى أَصْلِ الْجَمِيعِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّك لَمْ تَرُدَّهُ إلَى أَصْلٍ، وَإِنَّمَا حَصَلْت عَلَى دَعْوَى عَارِيَّةٍ مِنْ الْبُرْهَانِ.
وَأَيْضًا جَائِزٌ عِنْدَنَا الْبَقَاءُ عَلَى النِّكَاحِ بَعْدَ اللِّعَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ قَبْلَ الْفُرْقَةِ لَجُلِدَ الْحَدَّ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا.
فَإِنْ قِيلَ : هُوَ مِثْلُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَالرَّضَاعِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْفُرْقَةِ بِأَنْفُسِهَا لَا يُحْتَاجُ فِي صِحَّةِ وُقُوعِهَا إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَاللِّعَانُ لَيْسَ بِسَبَبٍ مُوجِبٍ لِلْفُرْقَةِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ تَقَعَ بِهِ الْفُرْقَةُ إذَا تَلَاعَنَا عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ، وَأَيْضًا لَيْسَ كُلُّ سَبَبٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَسْخٌ يُوجِبُهُ بِنَفْسِهِ، وَمِنْ الْأَسْبَابِ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَمِنْهَا مَا لَا يُوجِبُهُ إلَّا بِحُدُوثِ مَعْنًى آخَرَ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ نَصِيبٍ مِنْ الدَّارِ يُوجِبُ الشُّفْعَةَ لِلشَّرِيكِ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِنَفْسِ الطَّلَبِ وَالْخُصُومَةِ دُونَ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا الْحَاكِمُ ؟ وَكَذَلِكَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَخِيَارُ الصَّغِيرِ إذَا بَلَغَ وَنَحْوُ ذَلِكَ هَذِهِ كُلُّهَا أَسْبَابٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا فَسْخُ الْعُقُودِ ثُمَّ لَا يَقَعُ الْفَسْخُ بِوُجُودِهَا حَسْبَ دُونِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِهِ، فَهُوَ عَلَى مَنْ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ بِاللِّعَانِ دُونَ تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ.
وَأَمَّا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فَإِنَّهُ ذَهَبَ فِي قَوْلِهِ إنَّ اللِّعَانَ لَا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ بِحَالٍ ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ عَنْ الْفُرْقَةِ، وَلَوْ تَلَاعَنَا فِي بَيْتِهِمَا لَمْ يُوجِبْ فُرْقَةً، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ ؛ وَلِأَنَّ