هُوَ لَهُ، وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ لِلْيَهُودِ حِين خَرَصَ عَلَيْهِمْ تَمْرَ خَيْبَرَ :( إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي ) وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْمِلْكَ ؛ وَمَعْلُومٌ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ :( هُوَ لَك يَا عَبْدُ ) إثْبَاتَ الْمِلْكِ.
فَادَّعَى خَصْمُنَا أَنَّهُ أَرَادَ إثْبَاتَ النَّسَبِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ إضَافَتَهُ إلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ :( هُوَ لَك ) إضَافَةُ الْمِلْكِ وَالْأَخُ لَيْسَ بِمِلْكٍ، فَإِذْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَقِيقَةَ فَلَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ بِأَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى إثْبَاتِ الْيَدِ وَيُحْتَمَلُ لَوْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ قَالَ :( هُوَ أَخُوك ) يُرِيدُ بِهِ أُخُوَّةَ الدِّينِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعَبْدٍ لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ حَرٌّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْحَدِيثِ مَا ذَكَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ أَنَّهُ قَالَ :( هُوَ لَك ) وَظَنَّ الرَّاوِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَخُوهُ فِي النَّسَبِ، فَحَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَى عِنْدَهُ فِي خَبَرِ سُفْيَانَ وَجَرِيرٍ الَّذِي يَرْوِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ :( لَيْسَ لَك بِأَخٍ ) وَهَذَا لَا احْتِمَالَ فِيهِ، فَوَجَبَ حَمْلُ خَبَرِ الزُّهْرِيِّ الَّذِي رَوَيْنَا عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَقَوْلُهُ :﴿ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ﴾ قَدْ اقْتَضَى مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : إثْبَاتُ النَّسَبِ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ، وَالثَّانِي : أَنَّ مَنْ لَا فِرَاشَ لَهُ فَلَا نَسَبَ لَهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ :( الْوَلَدُ ) اسْمٌ لِلْجِنْسِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :( الْفِرَاشُ ) لِلْجِنْسِ، لِدُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْقَ وَلَدٌ إلَّا وَهُوَ مُرَادٌ بِهَذَا الْخَبَرِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا وَلَدَ إلَّا لِلْفِرَاشِ.


الصفحة التالية
Icon