ظَاهِرُهُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فِي أَنْ لَا يُعَطَّلَ الْحَدُّ وَفِي تَشْدِيدِ الضَّرْبِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ مِنْ ضَرْبِ الْقَاذِفِ وَالشَّارِبِ، وَإِنَّمَا قَالُوا إنَّ التَّعْزِيرَ أَشَدُّ الضَّرْبِ وَأَرَادُوا بِذَلِكَ أَنَّهُ جَائِزٌ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي شِدَّةِ الضَّرْبِ لِلْإِيلَامِ عَلَى جِهَةِ الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ ؛ إذْ لَا يُمْكِنُهُ فِيهِ بُلُوغُ الْحَدِّ، وَلَمْ يَعْنُوا بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا مَحَالَةَ أَشَدُّ الضَّرْبِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ، وَلَوْ رَأَى أَنْ يَقْتَصِرَ مِنْ الضَّرْبِ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى الْحَبْسِ إذَا كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ وَكَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِنْهُ زَلَّةً جَازَ لَهُ أَنْ يَتَجَافَى عَنْهُ وَلَا يُعَزِّرُهُ، فَعَلِمْت أَنَّ مُرَادَهُمْ بِقَوْلِهِمْ :" التَّعْزِيرُ أَشَدُّ الضَّرْبِ " إنَّمَا هُوَ إذَا رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ لِلزَّجْرِ وَالرَّدْعِ فَعَلَ، وَقَدْ رَوَى شَرِيكٌ عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ :" كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى ابْنِ أَخٍ لِأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا دَيْنٌ فَمَاتَ فَقَضَتْ عَنْهُ، فَكَتَبَ إلَيْهَا يُحَرِّجُ عَلَيْهَا فِيهِ، فَرَفَعَتْ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَكَتَبَ عُمَرُ إلَى عَامِلِهِ : اضْرِبْهُ ثَلَاثِينَ ضَرْبَةً كُلُّهَا تُبْضِعُ اللَّحْمَ وَتَحْدُرُ الدَّمَ ".
فَهَذَا مِنْ ضَرْبِ التَّعْزِيرِ.
وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد قَالَ :" أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِامْرَأَةٍ زَنَتْ فَقَالَ : أَفْسَدَتْ حَسَبَهَا، اضْرِبُوهَا وَلَا تُحْرِقُوا عَلَيْهَا جِلْدَهَا " فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى ضَرْبَ الزَّانِي أَخَفَّ مِنْ التَّعْزِيرِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَدْ دَلَّ قَوْلُهُ :﴿ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ﴾ عَلَى شِدَّةِ ضَرْبِ الزَّانِي عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَنَّهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الشَّارِبِ وَالْقَاذِفِ، لِدَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى شِدَّةِ الضَّرْبِ فِيهِ ؛ وَلِأَنَّ ضَرْبَ الشَّارِبِ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَضَرْبُ الزَّانِي إنَّمَا


الصفحة التالية
Icon