تَقَدَّمَ فِي بُلُوغِهِ، وَلَا يَكُونُ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِيُ إلَّا وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ ؛ فَجَعَلَ الْإِثْبَاتَ وَجَرْيَ الْمَوَاسِيِ عَلَيْهِ كِنَايَةً عَنْ بُلُوغِ الْقَدْرِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي السِّنِّ وَهِيَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَأَكْثَرُ.
وَرُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ أَنَّهُمَا قَسَمَا فِي الْغَنِيمَةِ لِمَنْ أَنْبَتَ.
وَهَذَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُمَا رَأَيَا الْإِنْبَاتَ بُلُوغًا ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ جَائِزَةٌ لِلصِّبْيَانِ عَلَى وَجْهِ الرَّضْخِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَوْمٍ مِنْ السَّلَفِ شَيْءٌ فِي اعْتِبَارِ طُولِ الْإِنْسَانِ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ :( أَتَى أَبُو بَكْرٍ بِغُلَامٍ قَدْ سَرَقَ، فَأَمَرَهُ فَشُبِرَ فَنَقَصَ أُنْمُلَةً فَخَلَّى عَنْهُ ).
وَرَوَى قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ :( إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ فَقَدْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَيُقْتَصُّ لَهُ وَيُقْتَصُّ مِنْهُ، وَإِذَا اسْتَعَانَهُ رِجْلٌ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ فَهُوَ ضَامِنٌ ).
وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ :( أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَتَى بِوَصِيفٍ لِعُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ قَدْ سَرَقَ فَقَطَعَهُ، ثُمَّ حَدَثَ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَيْهِ فِي غُلَامٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ اشْبِرْهُ فَشَبَرَهُ فَنَقَصَ أُنْمُلَةً فَسُمِّيَ نُمَيْلَةُ ).
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَهَذِهِ أَقَاوِيلُ شَاذَّةٌ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ تَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَقَاوِيلِ السَّلَفِ، ؛ إذْ الطُّولُ وَالْقِصَرُ لَا يَدُلَّانِ عَلَى بُلُوغٍ وَلَا نَفْيِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَصِيرًا وَلَهُ عِشْرُونَ سَنَةً وَقَدْ يَكُونُ طَوِيلًا وَلَا يَبْلُغُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَمْ يَحْتَلِمْ ؛ وَقَوْلُهُ ﴿ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ﴾ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَقَدْ عَقَلَ يُؤْمَرُ بِفِعْلِ الشَّرَائِعِ وَيُنْهَى عَنْ ارْتِكَابِ الْقَبَائِحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ، عَلَى جِهَةِ التَّعْلِيمِ ؛


الصفحة التالية
Icon