الْمُسْلِمِينَ كَانُوا إذَا غَزَوْا خَلَّفُوا زَمْنَاهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ وَسَلَّمُوا إلَيْهِمْ الْمَفَاتِيحَ وَقَالُوا : قَدْ أَحْلَلْنَا لَكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْهَا، فَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ مِنْ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ : لَا نَدْخُلُهَا وَهُمْ غُيَّبٌ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ رُخْصَةً لَهُمْ ).
فَهَذَا تَأْوِيلٌ ثَالِثٌ.
وَرُوِيَ فِيهِ تَأْوِيلٌ رَابِعٌ، وَهُوَ مَا رَوَى سُفْيَانُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مِقْسَمٍ قَالَ :( كَانُوا يَمْتَنِعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مَعَ الْأَعْمَى وَالْمَرِيضِ وَالْأَعْرَجِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنَالُ مَا يَنَالُ الصَّحِيحُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ) وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا التَّأْوِيلَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : لَيْسَ عَلَيْكُمْ حَرَجٌ فِي مُؤَاكَلَةِ الْأَعْمَى وَإِنَّمَا أَزَالَ الْحَرَجَ عَنْ الْأَعْمَى وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ فِي الْأَكْلِ، فَهَذَا فِي الْأَعْمَى إذَا أَكَلَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ السَّلَفِ، وَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُ مِقْسَمٍ مُحْتَمَلًا عَلَى بُعْدٍ فِي الْكَلَامِ، وَتَأْوِيلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا تِجَارَةً وَامْتَنَعُوا مِنْ الْأَكْلِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ إبَاحَةَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا تَأْوِيلُ مُجَاهِدٍ فَهُوَ سَائِغٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ قَدْ كَانَتْ الْعَادَةُ عِنْدَهُمْ بَذْلَ الطَّعَامِ لِأَقْرِبَائِهِمْ وَمَنْ مَعَهُمْ، فَكَانَ جَرَيَانُ الْعَادَةِ بِهِ كَالنُّطْقِ بِهِ، فَأَبَاحَ اللَّهُ لِلْأَعْمَى وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ إذَا اسْتَتْبَعُوا أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِ مَنْ اتَّبَعُوهُمْ وَبُيُوتِ آبَائِهِمْ.
وَالثَّانِي : أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ كَانَ بِهِ ضَرُورَةٌ إلَى الطَّعَامِ، وَقَدْ كَانَتْ الضِّيَافَةُ وَاجِبَةً فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لِأَمْثَالِهِمْ، فَكَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ مُسْتَحَقًّا مِنْ مَالِهِمْ لِهَؤُلَاءِ ؛ فَلِذَلِكَ أُبِيحَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ مِقْدَارَ الْحَاجَةِ بِغَيْرِ إذْنٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ :" إنْ أَكَلْت مِنْ بَيْتِ