وُضُوئِهِ بِمَا لَا تَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ مِمَّا لَوْ أَفْرَدَهُ لَمْ يَطْهُرْ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ اخْتِلَاطِهِ بِالْمَاءِ وَبَيْنَ إفْرَادِهِ بِالْغُسْلِ.
قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ مَا خَالَطَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ الَّتِي يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا لِغَيْرِ الطَّهَارَةِ إذَا كَانَ قَلِيلًا سَقَطَ حُكْمُهُ وَكَانَ الْحُكْمُ لِمَا غَلَبَ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّبَنَ الَّذِي خَالَطَهُ مَاءٌ يَسِيرٌ لَا يَزُولُ عَنْهُ اسْمُ اللَّبَنِ وَأَنَّ مَنْ شَرِبَ مِنْ جُبٍّ قَدْ وَقَعَتْ فِيهِ قَطْرَةٌ مِنْ خَمْرٍ لَا يُقَالُ لَهُ : شَارِبُ خَمْرٍ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ قَدْ صَارَ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ فَسَقَطَ حُكْمُهُ ؟ كَذَلِكَ الْمَاءُ إذَا كَانَ هُوَ الْغَالِبُ وَالْجُزْءُ الَّذِي خَالَطَهُ إذَا كَانَ يَسِيرًا سَقَطَ حُكْمُهُ.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَا ذَكَرْت فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ إذَا كَانَ الْمَاءُ الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ لَوْ انْفَرَدَ عَمَّا خَالَطَهُ كَانَ كَافِيًا لِطَهَارَتِهِ ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ انْفِرَادِ الْمَاءِ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَبَيْنَ اخْتِلَاطِهِ بِمَا لَا يُوجِبُ تَنْجِيسَهُ، فَإِذَا كَانَ لَوْ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ مُنْفَرِدًا عَمَّا خَالَطَهُ مِنْ اللَّبَنِ وَمَاءِ الْوَلَدِ وَنَحْوِهِ وَكَانَ طَهُورًا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمُهُ إذَا خَالَطَهُ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّ مُخَالَطَةَ غَيْرِهِ لَهُ لَا تُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمِلًا لِلْمَاءِ الْمَفْرُوضِ بِهِ الطَّهَارَةُ ؛ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِك وَهَدْمِ أَصْلِك.
وَأَيْضًا فَيَنْبَغِي أَنْ تُجِيزَهُ ؛ إذْ أَكْثَرُ غَسْلِ أَعْضَائِهِ بِذَلِكَ الْمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَعْمَلَ مِنْ الْمَاءِ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مَا لَوْ انْفَرَدَ بِنَفْسِهِ كَانَ كَافِيًا.
فَإِنْ قِيلَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾ فَجَعَلَ الْمَاءَ الْمُنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ طَهُورًا.
فَإِذَا خَالَطَهُ غَيْرُهُ فَلَيْسَ هُوَ الْمُنْزَلُ مِنْ السَّمَاءِ بِعَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ طَهُورًا، قِيلَ لَهُ :