أَنْ تُجِيزَ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الَّذِي يُخَالِطُهُ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ إذَا كَانَ الْمَاءُ لَوْ انْفَرَدَ كِفَاءً لِوُضُوئِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ جَازَ وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْزَلُ مِنْ السَّمَاءِ فِي حَالِ الْمُخَالَطَةِ وَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ حَتَّى سَلَبَهُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ.
قِيلَ لَهُ : لَا يَجِبُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ غَلَبَةَ غَيْرِهِ عَلَيْهِ يَنْقُلُهُ إلَى حُكْمِهِ وَيَسْقُطُ حُكْمُ الْقَلِيلِ مَعَهُ، بِدَلَالَةِ أَنَّ قَطْرَةً مِنْ خَمْرٍ لَوْ وَقَعَتْ فِي جُبِّ مَاءٍ فَشَرِبَ مِنْهُ إنْسَانٌ لَمْ يُقَلْ : إنَّهُ شَارِبُ خَمْرٍ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَوْ أَنَّ خَمْرًا صُبَّ فِيهِ مَاءٌ فَمُزِجَتْ بِهِ فَكَانَ الْخَمْرُ هُوَ الْغَالِبُ لَأَطْلَقَ النَّاسُ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَارِبُ خَمْرٍ وَكَانَ حُكْمُهُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ حُكْمَ شَارِبِهَا صَرْفًا غَيْرَ مَمْزُوجَةٍ.
وَأَمَّا مَاءُ الْوَرْدِ وَمَاءُ الزَّعْفَرَانِ وَعُصَارَةُ الرَّيْحَانِ وَالشَّجَرِ فَلَمْ يُمْنَعْ الْوُضُوءُ بِهِ مِنْ أَجْلِ مُخَالَطَةِ غَيْرِهِ وَلَكِنْ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْمَاءِ الْمَفْرُوضِ بِهِ الطَّهَارَةُ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ إلَّا بِتَقْيِيدٍ، كَمَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْمَنِيَّ مَاءً بِقَوْلِهِ :﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ﴾ وَقَالَ :﴿ وَاَللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ﴾ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْمَاءِ الْمَفْرُوضِ بِهِ الطَّهَارَةُ فِي شَيْءٍ.
وَأَمَّا مَذْهَبُ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ فِي إجَازَتِهِ الْوُضُوءَ بِالْخَلِّ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إجَازَتُهُ بِالْمَرَقِ وَبِعَصِيرِ الْعِنَبِ لَوْ خَالَطَهُ شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْ مَاءٍ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ الْوُضُوءُ بِسَائِرِ الْمَائِعَاتِ مِنْ الْأَدْهَانِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ التَّيَمُّمُ بِالدَّقِيقِ وَالْأُشْنَانِ قِيَاسًا عَلَى التُّرَابِ