وَقَالَ فِي الْحَوْضِ إذَا اغْتَسَلَ فِيهِ جُنُبٌ :( أَفْسَدَهُ )، وَهَذَا أَيْضًا عِنْدَهُ اسْتِحْبَابٌ لِتَرْكِ اسْتِعْمَالِهِ، وَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَجْزَأَهُ.
وَكَرِهَ اللَّيْثُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْبِئْرِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ :( لَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ الْجُنُبُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ الْكَثِيرِ الْقَائِمِ فِي النَّهْرِ وَالسَّبْخَةِ ) وَكَرِهَ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ بِالْفَلَاةِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الْكُرِّ ؛ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلْقَمَةَ وَابْنِ سِيرِينَ ؛ وَالْكُرُّ عِنْدَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافِ رِطْلٍ وَمِائَتَا رِطْلٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ :( إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ لَمْ يُنَجِّسْهُ إلَّا مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ الْيَسِيرَةِ ).
وَاَلَّذِي يُحْتَجُّ بِهِ لِقَوْلِ أَصْحَابِنَا قَوْله تَعَالَى :﴿ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ ﴾ وَالنَّجَاسَاتُ لَا مَحَالَةَ مِنْ الْخَبَائِثِ، وَقَالَ :﴿ إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ ﴾ وَقَالَ فِي الْخَمْرِ ﴿ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾.
﴿ وَمَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ : إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا كَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ الْبَوْلِ وَالْآخَرُ كَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ﴾، فَحَرَّمَ اللَّهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَحْرِيمًا مُبْهَمًا وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حَالِ انْفِرَادِهَا وَاخْتِلَاطِهَا بِالْمَاءِ، فَوَجَبَ تَحْرِيمُ اسْتِعْمَالِ كُلِّ مَا تَيَقَّنَّا فِيهِ جُزْءًا مِنْ النَّجَاسَةِ، وَيَكُونُ جِهَةَ الْحَظْرِ مِنْ طَرِيقِ النَّجَاسَةِ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْإِبَاحَةِ مِنْ طَرِيقِ الْمَاءِ الْمُبَاحِ فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ مَتَى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ جِهَةُ الْحَظْرِ وَجِهَةُ الْإِبَاحَةِ فَجِهَةُ الْحَظْرِ أَوْلَى، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَارِيَةَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا فِيهَا مِائَةُ جُزْءٍ وَلِلْآخَرِ جُزْءٌ وَاحِدٌ أَنَّ جِهَةَ الْحَظْرِ فِيهَا أَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْإِبَاحَةِ وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ