الْجَمِيعِ عَلَى امْتِنَاعِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا وَوَجْهٌ آخَرُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ لُزُومُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ أَوْلَى مِنْ وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الَّذِي هِيَ فِيهِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ :﴿ فَاغْسِلُوا ﴾ إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً غَيْرَهُ ؛ وَهُوَ أَنَّ تَحْرِيمَ اسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَا مِنْ نَجَاسَةٍ إلَّا وَعَلَيْنَا اجْتِنَابُهَا وَتَرْكُ اسْتِعْمَالِهَا إذَا كَانَتْ مُنْفَرِدَةً، وَالْمَاءُ الَّذِي لَا نَجِدُ غَيْرَهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ لُزُومُ الِاسْتِعْمَالِ ؟ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهُ إنْسَانٌ مَاءً غَيْرَهُ أَوْ غَصَبَهُ فَتَوَضَّأَ بِهِ كَانَتْ طَهَارَتُهُ صَحِيحَةً ؟ فَلَمَّا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَرْضُ طَهَارَتِهِ بِذَلِكَ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ حَظْرُ اسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ صَارَ لِلُزُومِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ مَزِيَّةٌ عَلَى وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَجِدُ غَيْرَهُ إذَا كَانَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعُمُومُ الْمُوجِبُ لَاجْتِنَابِهَا أَوْلَى.
وَأَيْضًا لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي سَائِرِ الْمَائِعَاتِ إذَا خَالَطَهُ الْيَسِيرُ مِنْ النَّجَاسَاتِ، كَاللَّبَنِ وَالْأَدْهَانِ وَالْخَلِّ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّ حُكْمَ الْيَسِيرِ فِي ذَلِكَ كَحُكْمِ الْكَثِيرِ وَأَنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ أَكْلُ ذَلِكَ وَشُرْبُهُ، وَالدَّلَالَةُ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لُزُومُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ بِالْعُمُومِ الَّذِي قَدَّمْنَا فِي حَالِيِّ الْمُخَالَطَةِ وَالِانْفِرَادِ.
وَالْآخَرُ : أَنَّ حُكْمَ الْحَظْرِ وَهُوَ النَّجَاسَةُ كَانَ أَغْلَبَ فِي حُكْمِ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ الَّذِي خَالَطَهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي خَالَطَهُ مِنْ ذَلِكَ مَاءٌ أَوْ غَيْرُهُ، ؛ إذْ كَانَ عُمُومُ الْآيِ وَالسُّنَنِ شَامِلَةً لَهُ، وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى وُجُودَ النَّجَاسَةِ فِيهِ حُظِرَ اسْتِعْمَالُهُ.
وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ


الصفحة التالية
Icon