فَصْلٌ وَأَمَّا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا وَالشَّافِعِيَّ لَا يُجِيزُونَ الْوُضُوءَ بِهِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ مَا هُوَ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ :( يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ ) عَلَى كَرَاهَةٍ مِنْ مَالِكٍ لَهُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رَوَى أَبُو عَوَانَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ وَتَغْتَسِلَ الْمَرْأَةُ بِفَضْلِ وَضُوءِ الرَّجُلِ وَلْيَفْتَرِقَا ﴾.
وَفَضْلُ الطَّهُورِ يَتَنَاوَلُ شَيْئَيْنِ : مَا يَسِيلُ مِنْ أَعْضَاءِ الْمُغْتَسِلِ، وَالْآخَرُ مَا يَبْقَى فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ الْغُسْلِ ؛ وَعُمُومُهُ يَنْتَظِمُهَا فَاقْتَضَى ذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ ؛ لِأَنَّهُ فَضْلُ طَهُورٍ ؛ وَأَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ جَنَابَةٍ ﴾.
وَرَوَى بُكَيْر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زَهْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ ﴾.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :﴿ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ ﴾.
وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِأَسْلَمَ حِينَ أَكَلَ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ ( أَرَأَيْت لَوْ تَوَضَّأَ إنْسَانٌ بِمَاءٍ أَكُنْت شَارِبَهُ ؟ ) فَدَلَّ تَشْبِيهُ الصَّدَقَةِ حِينَ حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ بِغُسَالَةِ أَيْدِي النَّاسِ أَنَّ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا.
وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ الْمَاءَ إذَا أُزِيلَ بِهِ الْحَدَثُ مُشْبِهٌ لِلْمَاءِ الَّذِي أُزِيلَ بِهِ النَّجَاسَةُ مِنْ حَيْثُ اسْتَبَاحَ