قَوْله تَعَالَى :﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾.
قِيلَ فِي تَضْعِيفِ عَذَابِهِنَّ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِنَّ أَكْثَرَ مِنْهَا عَلَى غَيْرِهِنَّ بِكَوْنِهِنَّ أَزْوَاجًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُزُولِ الْوَحْيِ فِي بُيُوتِهِنَّ وَتَشْرِيفِهِنَّ بِذَلِكَ، كَانَ كُفْرَانُهَا مِنْهُنَّ أَعْظَمَ وَأَجْدَرَ بِعِظَمِ الْعِقَابِ ؛ لِأَنَّ النِّعْمَةَ كُلَّمَا عَظُمَتْ كَانَ كُفْرَانُهَا أَعْظَمَ فِيمَا يُسْتَحَقُّ بِهِ مِنْ الْعِقَابِ ؛ إذْ كَانَ اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ عَلَى حَسَبِ كُفْرَانِ النِّعْمَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَطَمَ أَبَاهُ اسْتَحَقَّ مِنْ الْعُقُوبَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ لَطَمَ أَجْنَبِيًّا لِعِظَمِ نِعْمَةِ أَبِيهِ عَلَيْهِ وَكُفْرَانِهِ لَهَا بِلَطْمَتِهِ ؟ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى فِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ :﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَضْعِيفَ الْعَذَابِ عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْصِيَةِ لِأَجْلِ عِظَمِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِنَّ بِتِلَاوَةِ آيَاتِ اللَّهِ فِي بُيُوتِهِنَّ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ عَظُمَتْ طَاعَاتُهُنَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ :﴿ وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ ﴾ لِأَنَّ الطَّاعَةَ فِي اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ بِهَا بِإِزَاءِ الْمَعْصِيَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِهَا.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنَّ فِي إتْيَانِهِنَّ الْمَعَاصِيَ أَذًى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا يَلْحَقُ مِنْ الْعَارِ وَالْغَمِّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ آذَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ أَعْظَمُ جُرْمًا مِمَّنْ آذَى غَيْرَهُ، وَقَالَ تَعَالَى :﴿ إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ ثُمَّ قَالَ :﴿ وَاَلَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدْ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾.
وَلَمَّا عَظَّمَ