وَاخْتَلَفُوا فِي قَاذِفِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالشَّافِعِيُّ :" لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ ".
وَقَالَ مَالِكٌ :" لَا يُحَدُّ قَاذِفُ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يُجَامِعُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ، وَيُحَدُّ قَاذِفُ الصَّبِيَّةِ إذَا كَانَ مِثْلُهَا تُجَامَعُ وَإِنْ لَمْ تُحْصَنْ، وَيُحَدُّ قَاذِفُ الْمَجْنُونِ ".
وَقَالَ اللَّيْثُ " يُحَدُّ قَاذِفُ الْمَجْنُونِ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ لَا يَقَعُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زِنًا ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ زِنًا ؛ إذْ كَانَ الزِّنَا فِعْلًا مَذْمُومًا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعِقَابَ وَهَؤُلَاءِ لَا يَسْتَحِقُّونَ الْعِقَابَ عَلَى أَفْعَالِهِمْ، فَقَاذِفُهُمْ بِمَنْزِلَةِ قَاذِفِ الْمَجْنُونِ لِوُقُوعِ الْعِلْمِ بِكَذِبِ الْقَاذِفِ ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَا يَلْحَقُهُمْ شَيْنٌ بِذَلِكَ الْفِعْلِ لَوْ وَقَعَ مِنْهُمْ، فَكَذَلِكَ لَا يَشِينُهُمْ قَذْفُ الْقَاذِفِ لَهُمْ بِذَلِكَ.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْحَدِّ إلَى الْمَقْذُوفِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكَالَةَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِيهِ ؟ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَجِبْ الْمُطَالَبَةُ لِأَحَدٍ وَقْتَ الْقَذْفِ، فَلَمْ يَجِبْ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ إذَا وَجَبَ فَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَذْفِ لَا غَيْرَ.
فَإِنْ قِيلَ : فَلِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ بِحَدِّ أَبِيهِ إذَا قُذِفَ وَهُوَ مَيِّتٌ فَقَدْ جَازَ أَنْ يُطَالِبَ عَنْ الْغَيْرِ بِحَدِّ الْقَذْفِ.
قِيلَ لَهُ : إنَّمَا يُطَالِبُ عَنْ نَفْسِهِ لِمَا حَصَلَ بِهِ مِنْ الْقَدْحِ فِي نَسَبِهِ وَلَا يُطَالِبُ عَنْ الْأَبِ.
وَأَيْضًا لَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ قَاذِفَ الصَّبِيِّ لَا يُحَدُّ كَانَ كَذَلِكَ قَاذِفُ الصَّبِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ التَّكْلِيفِ وَلَا يَصِحُّ وُقُوعُ الزِّنَا مِنْهُمَا، فَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ.


الصفحة التالية
Icon