الْحَرَمِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْقَتْلِ إذَا لَجَأَ إلَيْهَا لَمْ يُقْتَلْ عِنْدَنَا ؟ وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ الْحَرْبِيُّ إذَا لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ لَمْ يُقْتَلْ، وَإِنَّمَا يُقْتَلُ مَنْ انْتَهَكَ حُرْمَةَ الْحَرَمِ بِالْجِنَايَةِ فِيهِ فَمَنْعُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِمْ خُصُوصِيَّةٌ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ : وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٍ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُمْ سَيَكُونُونَ مِنْ أَوْلَادِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ إذَا لَمْ يُقْتَلُوا فَمَنَعَنَا قَتْلَهُمْ لِمَا فِي مَعْلُومِهِ مِنْ حُدُوثِ أَوْلَادِهِمْ مُسْلِمِينَ.
وَإِذَا كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ إذَا أَبْقَاهُمْ كَانَ لَهُمْ أَوْلَادٌ مُسْلِمُونَ أَبْقَاهُمْ وَلَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِهِمْ وَقَوْلُهُ :﴿ لَوْ تَزَيَّلُوا ﴾ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ فِي أَصْلَابِهِمْ قَدْ وَلَدُوهُمْ وَزَايَلُوهُمْ لَقَدْ كَانَ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، وَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْكُفَّارِ مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَجَبَ جَوَازُ مِثْلِهِ إذَا تَتَرَّسُوا بِالْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي الْحَالَيْنِ رَمْيُ الْمُشْرِكِينَ دُونَهُمْ وَمَنْ أُصِيبَ مِنْهُمْ فَلَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ، كَمَا أَنَّ مَنْ أُصِيبَ بِرَمْيِ حُصُونِ الْكُفَّارِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِي الْحِصْنِ لَمْ تَكُنْ فِيهِ دِيَةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ وَلِأَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ لَنَا الرَّمْي مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِ الْمُسْلِمِينَ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ، فَصَارُوا فِي الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أُبِيحَ قَتْلُهُ فَلَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ، وَلَيْسَتْ الْمَعَرَّةُ الْمَذْكُورَةُ دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً ؛ إذْ لَا دَلَالَةً عَلَيْهِ مِنْ لَفْظِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ.
وَالْأَظْهَرُ مِنْهُ مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْغَمِّ وَالْحَرَجِ بِاتِّفَاقِ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ عَلَى يَدِهِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِمَّنْ يَتَّفِقُ عَلَى يَدِهِ ذَلِكَ وَقَوْلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى الْعَيْبِ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُعَابُ فِي الْعَادَةِ


الصفحة التالية
Icon