بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْكَنَ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ الْحَشْوِ إلَى أَنَّ قِتَالَ أَهْلِ الْبَغْيِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْعِصِيِّ وَالنِّعَالِ وَمَا دُونَ السِّلَاحِ وَأَنَّهُمْ لَا يُقَاتَلُونَ بِالسَّيْفِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَيْنَا مِنْ سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ وَقِتَالِ الْقَوْمِ الَّذِينَ تَقَاتَلُوا بِالْعِصِيِّ وَالنِّعَالِ، وَهَذَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرُوا ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ تَقَاتَلُوا بِمَا دُونَ السِّلَاحِ، فَأَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِقِتَالِ الْبَاغِي مِنْهُمَا وَلَمْ يُخَصِّصْ قِتَالَنَا إيَّاهُ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ مَتَى ظَهَرَ لَنَا قِتَالٌ مِنْ فِئَةٍ عَلَى وَجْهِ الْبَغْيِ قَابَلْنَاهُ بِالسِّلَاحِ وَبِمَا دُونَهُ حَتَّى تَرْجِعَ إلَى الْحَقِّ، وَلَيْسَ فِي نُزُولِ الْآيَةِ عَلَى حَالِ قِتَالِ الْبَاغِي لَنَا بِغَيْرِ سِلَاحٍ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِقِتَالِنَا إيَّاهُمْ مَقْصُورًا عَلَى مَا دُونَ السِّلَاحِ مَعَ اقْتِضَاءِ عُمُومِ اللَّفْظِ لِلْقِتَالِ بِسِلَاحٍ وَغَيْرِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ :" مِنْ قَاتَلَكُمْ بِالْعِصِيِّ فَقَاتِلُوهُ بِالسِّلَاحِ " لَمْ يَتَنَاقَضْ الْقَوْلُ بِهِ ؟ فَكَذَلِكَ أَمْرُهُ إيَّانَا بِقِتَالِهِمْ ؛ إذْ كَانَ عُمُومُهُ يَقْتَضِي الْقِتَالَ بِسِلَاحٍ وَغَيْرِهِ، وَجَبَ أَنْ يُجْرَى عَلَى عُمُومِهِ وَأَيْضًا قَاتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْفِئَةَ الْبَاغِيَةَ بِالسَّيْفِ وَمَعَهُ مِنْ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ بَدْرٍ مَنْ قَدْ عُلِمَ مَكَانُهُمْ، وَكَانَ مُحِقًّا فِي قِتَالِهِ لَهُمْ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ إلَّا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ الَّتِي قَابَلَتْهُ وَأَتْبَاعُهَا وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمَّارٍ :﴿ تَقْتُلُك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ ﴾ وَهَذَا خَبَرٌ مَقْبُولٌ مِنْ طَرِيقِ التَّوَاتُرِ.
حَتَّى إنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى جَحْدِهِ " لَمَّا قَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَقَالَ : إنَّمَا قَتَلَهُ مَنْ جَاءَ بِهِ فَطَرَحَهُ بَيْنَ أَسِنَّتِنَا رَوَاهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ وَأَهْلُ الشَّامِ، وَهُوَ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ ؛ لِأَنَّهُ


الصفحة التالية
Icon