وَأَخَذُوا صَدَقَاتِ الْمَوَاشِي وَالثِّمَارِ أَنَّهُ لَا يُعَادُ عَلَى أَرْبَابِهَا، فَجَعَلُوا أَخْذَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ أَهْلِ الْعَدْلِ قِيلَ لَهُ : إنَّ الزَّكَاةَ لَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ بِأَخْذِ هَؤُلَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا : إنَّ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ إعَادَتَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَإِنَّمَا أَسْقَطُوا بِهِ حَقَّ الْإِمَامِ فِي الْأَخْذِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْإِمَامِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْأَخْذِ ؛ لِأَجْلِ حِمَايَتِهِ أَهْلَ الْعَدْلِ، فَإِذَا لَمْ يَحْمِهِمْ مِنْ الْبُغَاةِ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُ فِي الْأَخْذِ، وَكَانَ مَا أَخَذَهُ الْبُغَاةُ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِهِ فِي بَابِ سُقُوطِ حَقِّهِ فِي الْأَخْذِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا لَوْ مَرَّ رِجْلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ عَلَى عَاشِرِ أَهْلِ الْبَغْيِ بِمَالٍ فَعَشَرَهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَسِبُ لَهُ الْإِمَامُ بِذَلِكَ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ الْعُشْرَ إذَا مَرَّ بِهِ عَلَى عَاشِرِ أَهْلِ الْعَدْلِ ؟ فَعَلِمْت أَنَّ الْمَعْنَى فِي سُقُوطِ حَقِّ الْإِمَامِ فِي الْأَخْذِ لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ جَعَلُوا حُكْمَهُمْ كَأَحْكَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ.
وَإِنَّمَا أَجَازُوا قَضَاءَ قَاضِي الْبُغَاةِ إذَا كَانَ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي صِحَّةِ نَفَاذِ الْقَضَاءِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي عَدْلًا فِي نَفْسِهِ وَيُمْكِنُهُ تَنْفِيذُ قَضَائِهِ، وَحَمْلُ النَّاسِ عَلَيْهِ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمُوَلِّي لَهُ عَدْلًا أَوْ بَاغِيًا.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِ سُلْطَانٍ فَاتَّفَقَ أَهْلُهُ عَلَى أَنْ وَلَّوْا رَجُلًا مِنْهُمْ الْقَضَاءَ كَانَ جَائِزًا وَكَانَتْ أَحْكَامُهُ نَافِذَةً عَلَيْهِمْ ؟ فَكَذَلِكَ الَّذِي وَلَّاهُ الْبُغَاةُ الْقَضَاءَ إذَا كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ عَدْلًا نَفَذَتْ أَحْكَامُهُ " وَيَحْتَجُّ مَنْ يُجِيزُ مُجَاوَزَةَ الْحَدِّ بِالتَّعْزِيرِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - :﴿ فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ ﴾ فَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ إلَى أَنْ يَرْجِعُوا إلَى الْحَقِّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ


الصفحة التالية
Icon