وقَوْله تَعَالَى - ﴿ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ " لَا يَطْعَنُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ : هُوَ كَقَوْلِهِ :﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَكَأَنَّهُ بِقَتْلِهِ أَخَاهُ قَاتَلٌ نَفْسَهُ.
وَكَقَوْلِهِ ﴿ فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ يَعْنِي يُسَلِّمُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ وَاللَّمْزُ الْعَيْبُ يُقَالُ : لَمَزَهُ إذَا عَابَهُ وَطَعَنَ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - :﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُك فِي الصَّدَقَاتِ ﴾ قَالَ زِيَادٌ الْأَعْجَمُ : إذَا لَقِيتُك تُبْدِي لِي مُكَاشَرَةً، وَإِنْ تَغَيَّبْت كُنْت الْهَامِزَ اللمزه مَا كُنْتُ أَخْشَى وَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ بِهِ حَيْفٌ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَغْتَابَنِي عَنَزَهْ، وَإِنَّمَا نَهَى بِذَلِكَ عَنْ عَيْبِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ، وَلَيْسَ بِمَعِيبٍ فَإِنَّ مَنْ كَانَ مَعِيبًا فَاجِرًا فَعَيْبُهُ بِمَا فِيهِ جَائِزٌ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ الْحُجَّاجُ قَالَ الْحَسَنُ :" اللَّهُمَّ أَنْتَ أَمَتَّهُ فَاقْطَعْ عَنَّا سُنَّتَهُ فَإِنَّهُ أَتَانَا أخيفش أعيمش يَمُدُّ بِيَدٍ قَصِيرَةِ الْبَنَانِ وَاَللَّهِ مَا عَرِقَ فِيهَا عِنَانٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُرَجِّلُ جُمَّتَهُ وَيَخْطُرُ فِي مِشْيَتِهِ وَيَصْعَدُ الْمِنْبَرَ فَيَهْذِرُ حَتَّى تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ لَا مِنْ اللَّهِ يَتَّقِي، وَلَا مِنْ النَّاسِ يَسْتَحْيِ فَوْقَهُ اللَّهُ وَتَحْتَهُ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ لَا يَقُولُ لَهُ قَائِلٌ الصَّلَاةَ أَيُّهَا الرَّجُلُ " ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ " هَيْهَاتَ وَاَللَّهِ حَالَ دُونَ ذَلِكَ السَّيْفُ وَالسَّوْطُ ".