الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَاجِبٌ.
وَذَلِكَ نَحْوُ مَا تَعَبَّدَنَا بِهِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْعُدُولِ وَتَحَرِّي الْقِبْلَةِ وَتَقْوِيمِ الْمُسْتَهْلَكَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ بِمَقَادِيرِهَا تَوْقِيفٌ، فَهَذِهِ وَمَا كَانَ مِنْ نَظَائِرِهَا قَدْ تَعَبَّدَنَا فِيهَا بِتَنْفِيذِ أَحْكَامِ غَالِبِ الظَّنِّ وَأَمَّا الظَّنُّ الْمُبَاحُ فَالشَّكَّاكُ فِي الصَّلَاةِ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّحَرِّي وَالْعَمَلِ عَلَى مَا يَغْلِبُ فِي ظَنِّهِ، فَلَوْ غَلَبَ ظَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا، وَإِنْ عَدَلَ عَنْهُ إلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ كَانَ جَائِزًا، وَنَحْوُهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ : إنِّي كُنْت نَحَلْتُك جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا بِالْعَالِيَةِ، وَإِنَّك لَمْ تَكُونِي حُزْتِيهِ وَلَا قَبَضْتِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْوَارِثِ، وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاك وَأُخْتَاك، قَالَ : فَقُلْت : إنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ فَقَالَ : أُلْقِيَ فِي رُوعِي أَنَّ ذَا بَطْنِ خَارِجَةَ جَارِيَةٌ فَاسْتَجَازَ هَذَا الظَّنَّ لِمَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ إذَا ظَنَنْتُمْ فَلَا تُحَقِّقُوا ﴾ فَهَذَا مِنْ الظَّنِّ الَّذِي يَعْرِضُ بِقَلْبِ الْإِنْسَانِ فِي أَخِيهِ مِمَّا يُوجِبُ الرِّيبَةَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحَقِّقَهُ، وَأَمَّا الظَّنُّ الْمَنْدُوبُ إلَيْهِ فَهُوَ حُسْنُ الظَّنِّ بِالْأَخِ الْمُسْلِمِ، هُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ مُثَابٌ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَ سُوءُ الظَّنِّ مَحْظُورًا فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ حُسْنُ الظَّنِّ وَاجِبًا قِيلَ لَهُ : لَا يَجِبُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً، وَهُوَ أَنْ لَا يُظَنَّ بِهِ شَيْئًا فَإِذَا أَحْسَنَ الظَّنَّ بِهِ فَقَدْ فَعَلَ مَنْدُوبًا إلَيْهِ.